227
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

نَزَلَ الرّوحُ الأَمينُ‏بِبُكاءٍ وعَويلٍ‏
ثُمَّ بَكى‏ بِأَعلى‏ صَوتِهِ وبَكَيتُ ، وأثبَتُّ عِندي تِلكَ السّاعَةَ ، وكانَ شَهرُ المُحَرَّمِ ويَومَ عاشوراءَ لِعَشرٍ مَضَينَ مِنهُ ، فَوَجَدتُهُ يَومَ وَرَدَ عَلَينا خَبَرُهُ وتاريخُهُ كَذلِكَ ، فَحَدَّثتُ بِهذَا الحَديثِ اُولئِكَ الَّذينَ كانوا مَعَهُ ، فَقالوا : وَاللَّهِ ، لَقَد سَمِعنا ما سَمِعتَ ونَحنُ فِي المَعرَكَةِ ، لا نَدري ما هُوَ ، فَكُنّا نَرى‏ أنَّهُ الخِضرُ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ وعَلَى الحُسَينِ .۱

۱۱۹.الفتوح : سارَ [عَلِيٌّ عليه السلام‏] حَتّى‏ نَزَلَ بِدَيرِ كَعبٍ ، فَأَقامَ هُنالِكَ باقِيَ يَومِهِ ولَيلَتِهِ . وأصبَحَ سائِراً حَتّى‏ نَزَلَ بِكَربَلاءَ ، ثُمَّ نَظَرَ إلى‏ شاطِئِ الفُراتِ ، وأبصَرَ هُنالِكَ نَخيلاً ، فَقالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، أتَعرِفُ هذَا المَوضِعَ ؟ فَقالَ : لا يا أميرَ المُؤمِنينَ ما أعرِفُهُ .
فَقالَ : أما إنَّكَ لَو عَرَفتَهُ كَمَعرِفَتي لَم تَكُن تُجاوِزُهُ حَتّى‏ تَبكِيَ لِبُكائي . قالَ : ثُمَّ بَكى‏ عَلِيٌّ عليه السلام بُكاءً شَديداً ، حَتَّى اخضَلَّت لِحيَتُهُ بِدُموعِهِ ، وسالَتِ الدُّموعُ عَلى‏ صَدرِهِ ، ثُمَّ جَعَلَ يَقولُ : أوّاه ! ما لي ولِآلِ أبي سُفيانَ ! ثُمَّ التَفَتَ إلَى الحُسَينِ عليه السلام فَقالَ : اِصبِر أبا عَبدِ اللَّهِ ؛ فَلَقَد لَقِيَ أبوكَ مِنهُم مِثلَ الَّذي تَلقى‏ مِن بَعدي .
قالَ : ثُمَّ جَعَلَ عَلِيٌّ عليه السلام يَجولُ في أرضِ كَربَلاءَ كَأَنَّهُ يَطلُبُ شَيئاً ، ثُمَّ نَزَلَ ودَعا بِماءٍ ، فَتَوَضَّأَ وُضوءَ الصَّلاةِ ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى‏ ما شاءَ أن يُصَلِّيَ ، وَالنّاسُ قَد نَزَلوا هُنالِكَ مِن قُربِ نينَوى‏ إلى‏ شاطِئِ الفُراتِ .
قالَ : ثُمَّ خَفَقَ بِرَأسِهِ خَفقَةً ، فَنامَ ، وَانتَبَهَ فَزِعاً ، فَقالَ :
يَابنَ عَبّاسِ ! ألا اُحَدِّثُكَ بِما رَأَيتُ السّاعَةَ في مَنامي ؟
فَقالَ : بَلى‏ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ : رَأَيتُ رِجالاً بيضَ الوُجوهِ ، في أيديهِم أعلامٌ بيضٌ ، وهُم مُتَقَلِّدونَ بِسُيوفٍ لَهُم ، فَخَطّوا حَولَ هذِهِ الأَرضِ خَطَّةً ، ثُمَّ رَأَيتُ هذِهِ النَّخيلَ وقَد ضَرَبَت بِسَعفِهَا الأَرضَ ، ورَأَيتُ نَهراً يَجري بِالدَّمِ العَبيطِ ، ورَأَيتُ ابنِيَ الحُسَينَ وقَد غَرِقَ في ذلِكَ الدَّمِ ، وهُوَ يَستَغيثُ فَلا يُغاثُ ، ثُمَّ إنّي رَأَيتُ اُولئِكَ الرِّجالَ البيضَ الوُجوهِ الَّذينَ نَزَلوا مِنَ السَّماءِ ، وهُم يُنادونَ : صَبراً

1.كمال الدين : ص ۵۳۲ ح ۱ ، الأمالي للصدوق : ص ۶۹۴ ح ۹۵۱ ، الخرائج والجرائح : ج ۳ ص ۱۱۴۴ ح ۵۶ نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۲۵۲ ح ۲۰ .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
226

فَقالوا : يا روحَ اللَّهِ وكَلِمَتَهُ ، ما يُبكيكَ ؟ ! قالَ : أتَعلَمونَ أيَّ أرضٍ هذِهِ ؟ قالوا : لا .
قالَ : هذِهِ أرضٌ يُقتَلُ فيها فَرخُ الرَّسولِ أحمَدَ ، وفَرخُ الحُرَّةِ الطّاهِرَةِ البَتولِ شَبيهَةِ اُمّي ، ويُلحَدُ فيها ، وهِيَ أطيَبُ مِنَ المِسكِ ، وهِيَ طينَةُ الفَرخِ المُستَشهَدِ ، وهكَذا تَكونُ طينَةُ الأَنبِياءِ وأولادِ الأَنبِياءِ ، فَهذِهِ الظِّباءُ تُكَلِّمُني وتَقولُ : إنَّها تَرعى‏ في هذِهِ الأَرضِ شَوقاً إلى‏ تُربَةِ الفَرخِ المُبارَكِ ، وزَعَمَت أنَّها آمِنَةٌ في هذِهِ الأَرضِ .
ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ إلى‏ هذِهِ الصِّيرانِ ، فَشَمَّها ، فَقالَ : هذِهِ بَعرُ الظِّباءِ عَلى‏ هذَا الطّيبِ ؛ لِمَكانِ حَشيشِها۱ ، اللَّهُمَّ أبقِها أبَداً حَتّى‏ يَشُمَّها أبوهُ ، فَتَكونَ لَهُ عَزاءً وسَلوَةً ، قالَ : فَبَقِيَت إلى‏ يَومِ النّاسِ هذا ، وقَدِ اصفَرَّت لِطولِ زَمَنِها ، هذِهِ أرضُ كَربٍ وبَلاءٍ .
وقالَ بِأَعلى‏ صَوتِهِ : يا رَبَّ عيسَى بنِ مَريَمَ ، لا تُبارِك في قَتَلَتِهِ ، وَالحامِلِ عَلَيهِ ، وَالمُعينِ عَلَيهِ ، وَالخاذِلِ لَهُ ، ثُمَّ بَكى‏ بُكاءً طَويلاً ، وبَكَينا مَعَهُ حَتّى‏ سَقَطَ لِوَجهِهِ وغُشِيَ عَلَيهِ طَويلاً ، ثُمَّ أفاقَ ، فَأَخَذَ البَعرَ ، فَصَرَّها في رِدائِهِ ، وأمَرَني أن أصُرَّها كَذلِكَ .
ثُمَّ قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، إذا رَأَيتَها تَنفَجِرُ دَماً عَبيطاً فَاعلَم أنَّ أبا عَبدِ اللَّهِ قَد قُتِلَ بِها ودُفِنَ بِها .
قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَوَاللَّهِ ، لَقَد كُنتُ أحفَظُها أكثَرَ مِن حِفظي لِبَعضِ مَا افتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ ، وأنَا لا أحُلُّها مِن طَرَفِ كُمّي ، فَبَينا أنَا فِي البَيتِ نائِمٌ إذِ انتَبَهتُ ، فَإِذا هِيَ تَسيلُ دَماً عَبيطاً ، وكانَ كُمّي قَدِ امتَلَأَت دَماً عَبيطاً ، فَجَلَستُ وأنَا أبكي وقُلتُ : قُتِلَ وَاللَّهِ الحُسَينُ عليه السلام ! وَاللَّهِ ما كَذَبَني عَلِيٌّ قَطُّ في حَديثٍ حَدَّثَني ، ولا أخبَرَني بِشَي‏ءٍ قَطُّ أنَّهُ يَكونُ إلّا كانَ كَذلِكَ ؛ لِأَنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله كانَ يُخبِرُهُ بِأَشياءَ لا يُخبِرُ بِها غَيرَهُ ، فَفَزِعتُ وخَرَجتُ ، وذلِكَ كانَ عِندَ الفَجرِ ، فَرَأَيتُ - وَاللَّهِ - المَدينَةَ كَأَنَّها ضَبابٌ ، لا يَستَبينُ فيها أثَرُ عَينٍ ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمسُ ، فَرَأَيتُ كَأَنَّها كاسِفَةٌ ، ورَأَيتُ كَأَنَّ حيطانَ المَدينَةِ عَلَيها دَمٌ عَبيطٌ ، فَجَلَستُ وأنَا باكٍ ، وقُلتُ : قَد قُتِلَ وَاللَّهِ الحُسَينُ عليه السلام ، فَسَمِعتُ صَوتاً مِن ناحِيَةِ البَيتِ ، وهُوَ يَقولُ :




اِصبِروا آلَ الرَّسولِ‏قُتِلَ الفَرخُ النُّحولُ‏
۲

1.في الطبعة المعتمدة : «على هذه الطيب المكان حشيشها» ، والتصويب من طبعة بيروت - مؤسّسة الأعلمي .

2.نَحلَ جسمه نُحولاً : ذهب من مرض أو سفر فهو ، ناحلٌ ونَحيل (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۵۵ «نحل») .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1970313
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به