نَزَلَ الرّوحُ الأَمينُبِبُكاءٍ وعَويلٍ
ثُمَّ بَكى بِأَعلى صَوتِهِ وبَكَيتُ ، وأثبَتُّ عِندي تِلكَ السّاعَةَ ، وكانَ شَهرُ المُحَرَّمِ ويَومَ عاشوراءَ لِعَشرٍ مَضَينَ مِنهُ ، فَوَجَدتُهُ يَومَ وَرَدَ عَلَينا خَبَرُهُ وتاريخُهُ كَذلِكَ ، فَحَدَّثتُ بِهذَا الحَديثِ اُولئِكَ الَّذينَ كانوا مَعَهُ ، فَقالوا : وَاللَّهِ ، لَقَد سَمِعنا ما سَمِعتَ ونَحنُ فِي المَعرَكَةِ ، لا نَدري ما هُوَ ، فَكُنّا نَرى أنَّهُ الخِضرُ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ وعَلَى الحُسَينِ .۱
۱۱۹.الفتوح : سارَ [عَلِيٌّ عليه السلام] حَتّى نَزَلَ بِدَيرِ كَعبٍ ، فَأَقامَ هُنالِكَ باقِيَ يَومِهِ ولَيلَتِهِ . وأصبَحَ سائِراً حَتّى نَزَلَ بِكَربَلاءَ ، ثُمَّ نَظَرَ إلى شاطِئِ الفُراتِ ، وأبصَرَ هُنالِكَ نَخيلاً ، فَقالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، أتَعرِفُ هذَا المَوضِعَ ؟ فَقالَ : لا يا أميرَ المُؤمِنينَ ما أعرِفُهُ .
فَقالَ : أما إنَّكَ لَو عَرَفتَهُ كَمَعرِفَتي لَم تَكُن تُجاوِزُهُ حَتّى تَبكِيَ لِبُكائي . قالَ : ثُمَّ بَكى عَلِيٌّ عليه السلام بُكاءً شَديداً ، حَتَّى اخضَلَّت لِحيَتُهُ بِدُموعِهِ ، وسالَتِ الدُّموعُ عَلى صَدرِهِ ، ثُمَّ جَعَلَ يَقولُ : أوّاه ! ما لي ولِآلِ أبي سُفيانَ ! ثُمَّ التَفَتَ إلَى الحُسَينِ عليه السلام فَقالَ : اِصبِر أبا عَبدِ اللَّهِ ؛ فَلَقَد لَقِيَ أبوكَ مِنهُم مِثلَ الَّذي تَلقى مِن بَعدي .
قالَ : ثُمَّ جَعَلَ عَلِيٌّ عليه السلام يَجولُ في أرضِ كَربَلاءَ كَأَنَّهُ يَطلُبُ شَيئاً ، ثُمَّ نَزَلَ ودَعا بِماءٍ ، فَتَوَضَّأَ وُضوءَ الصَّلاةِ ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى ما شاءَ أن يُصَلِّيَ ، وَالنّاسُ قَد نَزَلوا هُنالِكَ مِن قُربِ نينَوى إلى شاطِئِ الفُراتِ .
قالَ : ثُمَّ خَفَقَ بِرَأسِهِ خَفقَةً ، فَنامَ ، وَانتَبَهَ فَزِعاً ، فَقالَ :
يَابنَ عَبّاسِ ! ألا اُحَدِّثُكَ بِما رَأَيتُ السّاعَةَ في مَنامي ؟
فَقالَ : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ : رَأَيتُ رِجالاً بيضَ الوُجوهِ ، في أيديهِم أعلامٌ بيضٌ ، وهُم مُتَقَلِّدونَ بِسُيوفٍ لَهُم ، فَخَطّوا حَولَ هذِهِ الأَرضِ خَطَّةً ، ثُمَّ رَأَيتُ هذِهِ النَّخيلَ وقَد ضَرَبَت بِسَعفِهَا الأَرضَ ، ورَأَيتُ نَهراً يَجري بِالدَّمِ العَبيطِ ، ورَأَيتُ ابنِيَ الحُسَينَ وقَد غَرِقَ في ذلِكَ الدَّمِ ، وهُوَ يَستَغيثُ فَلا يُغاثُ ، ثُمَّ إنّي رَأَيتُ اُولئِكَ الرِّجالَ البيضَ الوُجوهِ الَّذينَ نَزَلوا مِنَ السَّماءِ ، وهُم يُنادونَ : صَبراً