فَصَلّى ثَمانِيَ رَكَعاتٍ ، وسَلَّمَ مِن كُلِّ رَكعَتَينِ ، فَكُلَّما سَلَّمَ جَعَلَ يَتَناوَلُ مِن ذلِكَ البَعرِ فَيَشُمُّهُ ، ويَقولُ : صَبراً أبا عَبدِ اللَّهِ ، صَبراً يا ثَمَرَةَ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ورَيحانَةَ حَبيبِ اللَّهِ ، ثُمَّ أخَذَ كَفّاً مِن ذلِكَ البَعرِ ، فَصَرَّهُ في ثَوبِهِ ، وقالَ : لا يَزالُ هذا مَصروراً أبَداً أو يَأتِيَ عَلَيَّ أجَلي .
ثُمَّ قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ! إذا رَأَيتَها مِن بَعدي وهِيَ تَسيلُ دَماً عَبيطاً ، فَاعلَم أنَّ أبا عَبدِ اللَّهِ قَد قُتِلَ .
قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَوَ اللَّهِ ، لَقَد كُنتُ أشَدَّ تَحافُظاً لَها بَعدَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وأنَا لا أحُلُّها عَن طَرَفي .۱
3 / 3
قِصَّةُ هَرثَمَةَ
۱۲۰.وقعة صفّين عن أبي عبيدة عن هرثمة۲بن سليم : غَزَونا مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام غَزوَةَ صِفّينَ ، فَلَمّا نَزَلنا بِكَربَلاءَ صَلّى بِنا صَلاةً ، فَلَمّا سَلَّمَ رَفَعَ إلَيهِ مِن تُربَتِها ، فَشَمَّها ، ثُمَّ قالَ : واهاً لَكِ أيَّتُهَا التُّربَةُ ! لَيُحشَرَنَّ مِنكِ قَومٌ يَدخُلونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ .
فَلَمّا رَجَعَ هَرثَمَةُ مِن غَزوَتِهِ إلَى امرَأَتِهِ - وهِيَ جَرداءُ بِنتُ سُمَيرٍ ، وكانَت شيعَةً لِعَلِيٍّ عليه السلام - فَقالَ لَها زَوجُها هَرثَمَةُ : ألا اُعَجِّبُكِ مِن صَديقِكِ أبِي الحَسَنِ ؟ لَمّا نَزَلنا كَربَلاءَ رَفَعَ إلَيهِ مِن تُربَتِها ، فَشَمَّها ، وقالَ : واهاً لَكِ يا تُربَةُ ، لَيُحشَرَنَّ مِنكِ قَومٌ يَدخُلونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ، وما عِلمُهُ بِالغَيبِ ؟ فَقالَت : دَعنا مِنكَ أيُّهَا الرَّجُلُ ؛ فَإِنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام لَم يَقُل إلّا حَقّاً .
فَلَمّا بَعَثَ عُبَيدُ اللَّهِ بنُ زِيادٍ البَعثَ الَّذي بَعَثَهُ إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام وأصحابِهِ ، قالَ : كُنتُ فيهِم فِي الخَيلِ الَّتي بَعَثَ إلَيهِم ، فَلَمَّا انتَهَيتُ إلَى القَومِ وحُسَينٍ عليه السلام وأصحابِهِ ، عَرَفتُ المَنزِلَ الَّذي نَزَلَ بِنا عَلِيٌّ فيهِ ، وَالبُقعَةَ الَّتي رُفِعَ إلَيهِ مِن تُرابِها ، وَالقَولَ الَّذي قالَهُ ، فَكَرِهتُ مَسيري ، فَأَقبَلتُ عَلى فَرَسي حَتّى وَقَفتُ عَلَى الحُسَينِ عليه السلام ، فَسَلَّمتُ عَلَيهِ ، وحَدَّثتُهُ بِالَّذي سَمِعتُ مِن أبيهِ في هذَا المَنزِلِ .