229
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

فَصَلّى‏ ثَمانِيَ رَكَعاتٍ ، وسَلَّمَ مِن كُلِّ رَكعَتَينِ ، فَكُلَّما سَلَّمَ جَعَلَ يَتَناوَلُ مِن ذلِكَ البَعرِ فَيَشُمُّهُ ، ويَقولُ : صَبراً أبا عَبدِ اللَّهِ ، صَبراً يا ثَمَرَةَ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ورَيحانَةَ حَبيبِ اللَّهِ ، ثُمَّ أخَذَ كَفّاً مِن ذلِكَ البَعرِ ، فَصَرَّهُ في ثَوبِهِ ، وقالَ : لا يَزالُ هذا مَصروراً أبَداً أو يَأتِيَ عَلَيَّ أجَلي .
ثُمَّ قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ! إذا رَأَيتَها مِن بَعدي وهِيَ تَسيلُ دَماً عَبيطاً ، فَاعلَم أنَّ أبا عَبدِ اللَّهِ قَد قُتِلَ .
قالَ ابنُ عَبّاسٍ : فَوَ اللَّهِ ، لَقَد كُنتُ أشَدَّ تَحافُظاً لَها بَعدَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام وأنَا لا أحُلُّها عَن طَرَفي .۱

3 / 3

قِصَّةُ هَرثَمَةَ

۱۲۰.وقعة صفّين عن أبي عبيدة عن هرثمة۲بن سليم : غَزَونا مَعَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام غَزوَةَ صِفّينَ ، فَلَمّا نَزَلنا بِكَربَلاءَ صَلّى‏ بِنا صَلاةً ، فَلَمّا سَلَّمَ رَفَعَ إلَيهِ مِن تُربَتِها ، فَشَمَّها ، ثُمَّ قالَ : واهاً لَكِ أيَّتُهَا التُّربَةُ ! لَيُحشَرَنَّ مِنكِ قَومٌ يَدخُلونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ .
فَلَمّا رَجَعَ هَرثَمَةُ مِن غَزوَتِهِ إلَى امرَأَتِهِ - وهِيَ جَرداءُ بِنتُ سُمَيرٍ ، وكانَت شيعَةً لِعَلِيٍّ عليه السلام - فَقالَ لَها زَوجُها هَرثَمَةُ : ألا اُعَجِّبُكِ مِن صَديقِكِ أبِي الحَسَنِ ؟ لَمّا نَزَلنا كَربَلاءَ رَفَعَ إلَيهِ مِن تُربَتِها ، فَشَمَّها ، وقالَ : واهاً لَكِ يا تُربَةُ ، لَيُحشَرَنَّ مِنكِ قَومٌ يَدخُلونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ، وما عِلمُهُ بِالغَيبِ ؟ فَقالَت : دَعنا مِنكَ أيُّهَا الرَّجُلُ ؛ فَإِنَّ أميرَ المُؤمِنينَ عليه السلام لَم يَقُل إلّا حَقّاً .
فَلَمّا بَعَثَ عُبَيدُ اللَّهِ بنُ زِيادٍ البَعثَ الَّذي بَعَثَهُ إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام وأصحابِهِ ، قالَ : كُنتُ فيهِم فِي الخَيلِ الَّتي بَعَثَ إلَيهِم ، فَلَمَّا انتَهَيتُ إلَى القَومِ وحُسَينٍ عليه السلام وأصحابِهِ ، عَرَفتُ المَنزِلَ الَّذي نَزَلَ بِنا عَلِيٌّ فيهِ ، وَالبُقعَةَ الَّتي رُفِعَ إلَيهِ مِن تُرابِها ، وَالقَولَ الَّذي قالَهُ ، فَكَرِهتُ مَسيري ، فَأَقبَلتُ عَلى‏ فَرَسي حَتّى وَقَفتُ عَلَى الحُسَينِ عليه السلام ، فَسَلَّمتُ عَلَيهِ ، وحَدَّثتُهُ بِالَّذي سَمِعتُ مِن أبيهِ في هذَا المَنزِلِ .

1.الفتوح : ج ۲ ص ۵۵۱ .

2.هو هرثمة بن سلمى أو سليم الضبّي، كما في أسانيد الأخبار، و كيفما كان فلم نعثر على ترجمته.


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
228

آلَ الرَّسولِ صَبراً ؛ فَإِنَّكُم تُقتَلونَ عَلى‏ أيدي أشرارِ النّاسِ ، وهذِهِ الجَنَّةُ مُشتاقَةٌ إلَيكَ يا أبا عَبدِ اللَّهِ ، ثُمَّ تَقَدَّموا إلَيَّ ، فَعَزَّوني وقالوا : أبشِر يا أبَا الحَسَنِ فَقَد أقَرَّ اللَّهُ عَينَكَ بِابنِكَ الحُسَينِ غَداً يَومَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ .
ثُمَّ إنِّي انتَبَهتُ ؛ فَهذا ما رَأَيتُ ، فَوَالَّذي نَفسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ ، لَقَد حَدَّثَنِي الصّادِقُ المَصدوقُ أبُو القاسِمِ صلى اللَّه عليه وآله ، أنّي سَأَرى‏ هذِهِ الرُّؤيا بِعَينِها في خُروجي إلى‏ قِتالِ أهلِ البَغيِ عَلَينا ، وهذِهِ أرضُ كَربَلاءَ الَّذي يُدفَنُ فيهَا ابنِيَ الحُسَينُ ، وشيعَتُهُ ، وجَماعَةٌ مِن وُلدِ فاطِمَةَ بِنتِ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وأنَّ هذِهِ البُقعَةَ المَعروفَةَ في أهلِ السَّماواتِ تُذكَرُ بِأَرضِ كربٍ وبَلاءٍ ، ولَيُحشَرَنَّ مِنها قَومٌ يَدخُلونَ الجَنَّةَ بِلا حِسابٍ .
ثُمَّ قالَ : يَابنَ عَبّاسٍ ، اطلُب لي حَولَها صِيرانَ الظِّباءِ ، فَطَلَبَهَا ابنُ عَبّاسٍ فَوَجَدَها ، ثُمَّ قالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، قَد أصَبتُها ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : اللَّهُ أكبَرُ ! صَدَقَ اللَّهُ ورَسولُهُ .
ثُمَّ قامَ عَلِيٌّ عليه السلام يُهَروِلُ نَحوَها حَتّى‏ وَقَفَ عَلَيها ، ثُمَّ أخَذَ قَبضَةً مِن بَعرِ الظِّباءِ ، فَشَمَّها ، فَإِذا لَها لَونٌ كَلَونِ الزَّعفَرانِ ، ورائِحَةٌ كَرائِحَةِ المِسكِ ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : نَعَم هِيَ هذِهِ بِعَينِها ، ثُمَّ قالَ : أتَعلَمُ ما هذِهِ يَابنَ عَبّاسٍ ؟ قالَ : لا يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ : إنَّ المَسيحَ عيسَى بنَ مَريَمَ عليه السلام قَد مَرَّ بِهذِهِ الأَرضِ ومَعَهُ الحَوارِيّونَ ، فَشَمَّ هذَا البَعرَ كَما شَمَمتُهُ ، وأقبَلَت إلَيهِ الظِّباءُ حَتّى‏ وَقَفَت بَينَ يَدَيهِ ، فَبَكى‏ عيسى‏ ، وبَكى‏ مَعَهُ الحَوارِيّونَ ، وهُم لا يَدرونَ لِماذا يَبكي عيسى‏ عليه السلام ، فَقالوا : يا روحَ اللَّهِ ، ما يُبكيكَ ؟ ولِماذَا اختُلِستَ هاهُنا ؟
فَقالَ لَهُم : أتَعلَمونَ ما هذِهِ الأَرضُ ؟ قالوا : لا يا روحَ اللَّهِ ، فَقالَ : هذِهِ أرضٌ يُقتَلُ عَلَيها فَرخُ الرَّسولِ أحمَدَ المُصطَفى‏ ، وفَرخُ ابنَتِهِ الزَّهراءِ قَرينَةِ الطّاهِرَةِ البَتولِ مَريَمَ بِنتِ عِمرانَ ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عيسى‏ إلى‏ بَعرِ الظِّباءِ ، فَشَمَّهُ ، وقالَ :
يا مَعشَرَ الحَوارِيّينَ ، هذا بَعرُ الظِّباءِ عَلى‏ هذَا الطّيبِ ؛ لِأَنَّهُ كانَ مِن حَشيشِ هذِهِ الأَرضِ . ثُمَّ مَضى‏ عيسىَ بنُ مَريَمَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ ، وقَد بَقِيَت هذِهِ البَعَراتُ إلى‏ يَومِنا هذا مِن ذلِكَ الدَّهرِ ، حَتّى‏ أنَّها قَدِ اصفَرَّت لِطولِ الزَّمانِ عَلَيها ، فهذِهِ أرضُ الكَربِ وَالبَلاءِ .
قالَ : ثُمَّ بَكى‏ عَلِيٌّ عليه السلام وقالَ : يا رَبِّ عيسى‏ ، لا تُبارِك في قاتِلِ وَلَدي وَالعَنهُ لَعناً كَثيراً ، ثُمَّ اشتَدَّ بُكاءُ عَلِيٍّ ، وبَكَى النّاسُ مَعَهُ حَتّى‏ سَقَطَ عَلى‏ وَجهِهِ ، وغُشِيَ عَلَيهِ ؛ ثُمَّ أفاقَ ، فَوَثَبَ ،

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1969872
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به