فَقالَ ابنُ زِيادٍ : قَتَلَنِي اللَّهُ إن لَم أقتُلكَ .
فَقالَ مُسلِمٌ : إنَّكَ لا تَدَعُ سوءَ القِتلَةِ ، وقُبحَ المُثلَةِ ، وخُبثَ السَّريرَةِ ، وَاللَّهِ لَو كانَ مَعي عَشرَةٌ مِمَّن أثِقُ بِهِم ، وقَدَرتُ عَلى شَربَةٍ مِن ماءٍ ، لَطالَ عَلَيكَ أن تراني في هذَا القَصرِ ، ولكن إن كُنتَ عَزَمتَ عَلى قَتلي - ولا بُدَّ لَكَ مِن ذلِكَ - فَأَقِم إلَيَّ رَجُلاً مِن قُرَيشٍ اُوصي إلَيهِ بِما اُريدُ .
فَوَثَبَ إلَيهِ عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ ، فَقالَ : أوصِ إلَيَّ بِما تُريدُ يَابنَ عَقيلٍ .
فَقالَ : اُوصيكَ ونَفسي بِتَقوَى اللَّهِ ؛ فَإِنَّ التَّقوى فيهَا الدَّركُ لِكُلِّ خَيرٍ ، وقَد عَلِمتَ ما بَيني وبَينَكَ مِنَ القَرابَةِ ، ولي إلَيكَ حاجَةٌ ، وقَد يَجِبُ عَلَيكَ لِقَرابَتي أن تَقضِيَ حاجَتي .
قالَ : فَقالَ ابنُ زِيادٍ : يَجِبُ۱ يا عُمَرُ أن تَقضِيَ حاجَةَ ابنِ عَمِّكَ وإن كانَ مُسرِفاً عَلى نَفسِهِ ؛ فَإِنَّهُ مَقتولٌ لا مَحالَةَ .
فَقالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ : قُل ما أحبَبتَ يَابنَ عَقيلٍ .
فَقالَ مُسلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : حاجَتي إلَيكَ أن تَشتَرِيَ فَرَسي وسِلاحي مِن هؤُلاءِ القَومِ فَتَبيعَهُ ، وتَقضِيَ عَنّي سَبعَمِئَةِ دِرهَمٍ استَدَنتُها في مِصرِكُم ، وأن تَستَوهِبَ جُثَّتي إذا قَتَلَني هذا وتُوارِيَني فِي التُّرابِ ، وأن تَكتُبَ إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام ألّا يَقدَمَ فَيَنزِلَ بِهِ ما نَزَلَ بي .
قالَ : فَالتَفَتَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ إلى عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ، فَقالَ : أيُّهَا الأَميرُ ، إنَّهُ يَقولُ كَذا وكَذا .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : أمّا ما ذَكَرتَ - يَابنَ عَقيلٍ - مِن أمرِ دَينِكَ فَإِنَّما هُوَ مالُكَ يُقضى بِهِ دَينُكَ ، ولَسنا نَمنَعُكَ أن تَصنَعَ فيهِ ما أحبَبتَ . وأمّا جَسَدُكَ إذا نَحنُ قَتَلناكَ فَالخَيارُ في ذلِكَ لَنا ، ولَسنا نُبالي ما صَنَعَ اللَّهُ بِجُثَّتِكَ . وأمَّا الحُسَينُ فَإِن لَم يُرِدنا لَم نُرِدهُ ، وإن أرادَنا لَم نَكُفَّ عَنهُ . ولكِنّي اُريدُ أن تُخبِرَني يَابنَ عَقيلٍ ، بِماذا أتَيتَ إلى هذَا البَلَدِ ؟ شَتَّتتَ أمرَهُم ، وفَرَّقتَ كَلِمَتَهُم ، ورَمَيتَ بَعضَهُم عَلى بَعضٍ؟!
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : لَستُ لِذلِكَ أتَيتُ هذَا البَلَدَ ، ولكِنَّكُم أظهَرتُمُ المُنكَرَ ودَفَنتُمُ المَعروفَ ، وتَأَمَّرتُم عَلَى النّاسِ مِن غَيرِ رِضى ، وحَمَلتُموهُم عَلى غَيرِ ما أمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ ، وعَمِلتُم فيهِم بِأَعمالِ كِسرى وقَيصَرَ ، فَأَتَيناهُم لِنَأمُرَ فيهِم بِالمَعروفِ ، ونَنهاهُم عَنِ المُنكَرِ ، ونَدعوَهُم