445
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

أفعَل ، ولكِنّي أقبَلتُ ونَزَلتُ تَحتَ رايَةِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ ، وبِتُّ مَعَهُ وأصبَحتُ .
فَقالَ لَهُ عَمرٌو : صَدَقَ أصلَحَكَ اللَّهُ ، قالَ : فَرَفَعَ القَضيبَ فَاعتَرَضَ بِهِ وَجهَ المُختارِ فَخَبَطَ بِهِ عَينَهُ فَشَتَرَها۱ ، وقالَ : أولى‏ لَكَ ، أمَا وَاللَّهِ لَولا شَهادَةُ عَمرٍو لَكَ لِضَرَبتُ عُنُقَكَ ، اِنطَلِقوا بِهِ إلَى السِّجنِ ، فَانطَلَقوا بِهِ إلَى [السِّجنِ‏۲ فَحُبِسَ فيهِ ، فَلَم يَزَل فِي السِّجنِ حَتّى‏ قُتِلَ الحُسَينُ عليه السلام .
ثُمَّ إنَّ المُختارَ بَعَثَ إلى‏ زائِدَةَ بنِ قُدامَةَ ، فَسَأَلَهُ أن يَسيرَ إلى‏ عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ بِالمَدينَةِ ، فَيَسأَلَهُ أن يَكتُبَ لَهُ إلى‏ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ ، فَيَكتُبَ إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنَ زِيادٍ بِتَخلِيَةِ سَبيلِهِ ، فَرَكِبَ زائِدَةُ إلى‏ عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ ، فَقَدِمَ عَلَيهِ فَبَلَّغَهُ رِسالَةَ المُختارِ ، وعَلِمَت صَفِيَّةُ اُختُ المُختارِ بِمَحبَسِ أخيها - وهِيَ تَحتَ عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ - فَبَكَت وجَزِعَت .
فَلَمّا رَأى‏ ذلِكَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ ، كَتَبَ مَعَ زائِدَةَ إلى‏ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ : أمّا بَعدُ ، فَإِنَّ عُبَيدَ اللَّهِ بنَ زِيادٍ حَبَسَ المُختارَ وهُوَ صِهري ، وأنَا اُحِبُّ أن يُعافى‏ ويُصلَحَ مِن حالِهِ ، فَإِن رَأَيتَ - رَحِمَنَا اللَّهُ وإيّاكَ - أن تَكتُبَ إلَى ابنِ زِيادٍ فَتَأمُرَهُ بِتَخلِيَتِهِ ، فَعَلتَ ، وَالسَّلامُ عَلَيكَ .
فَمَضى‏ زائِدَةُ عَلى‏ رَواحِلِهِ بِالكِتابِ حَتّى‏ قَدِمَ بِهِ عَلى‏ يَزيدَ بِالشّامِ ، فَلَمّا قَرَأَهُ ضَحِكَ ، ثُمَّ قالَ : يُشَفَّعُ أبو عَبدِ الرَّحمنِ وأهلُ ذلِكَ هُوَ .
فَكَتَبَ لَهُ إلَى ابنِ زِيادٍ : أمّا بَعدُ ، فَخَلِّ سَبيلَ المُختارِ بنِ أبي عُبَيدٍ حينَ تَنظُرُ في كِتابي ، وَالسَّلامُ عَلَيكَ .
فَأَقبَلَ بِهِ زائِدَةُ حَتّى‏ دَفَعَهُ ، فَدَعَا ابنُ زِيادٍ بِالمُختارِ فَأَخرَجَهُ ، ثُمَّ قالَ لَهُ : قَد أجَّلتُكَ ثَلاثاً ، فَإِن أدرَكتُكَ بِالكوفَةِ بَعدَها قَد بَرِئَت مِنكَ الذِّمَّةُ . فَخَرَجَ إلى‏ رَحلِهِ .
وقالَ ابنُ زِيادٍ : وَاللَّهِ لَقَدِ اجتَرَأَ عَلَيَّ زائِدَةُ حينَ يَرحَلُ إلى‏ أميرِ المُؤمِنينَ حَتّى‏ يَأتِيَني بِالكِتابِ في تَخلِيَةِ رَجُلٍ قَد كانَ مِن شَأني أن اُطيلَ حَبسَهُ ! عَلَيَّ بِهِ . فَمَرَّ بِهِ عَمرُو بنُ نافِعٍ أبو عُثمانَ - كاتِبٌ لاِبنِ زِيادٍ - وهُوَ يُطلَبُ ، وقالَ لَهُ : النَّجاءَ بِنَفسِكَ ، وَاذكُرها يَداً لي عِندَكَ .
قالَ : فَخَرَجَ زائِدَةُ فَتَوارى‏ يَومَهُ ذلِكَ ، ثُمَّ إنَّهُ خَرَجَ في اُناسٍ مِن قَومِهِ حَتّى‏ أتَى القَعقاعَ بنَ

1.الشَّتْرُ : قطع الجَفن الأسفل (النهاية : ج ۲ ص ۴۴۳ «شتر») .

2.]ما بين المعقوفين سقط من المصدر ، وأثبتناه من تاريخ دمشق .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
444

فَبايَعَهُ المُختارُ بنُ أبي عُبَيدٍ فيمَن بايَعَهُ مِن أهلِ الكوفَةِ ، وناصَحَهُ ودَعا إلَيهِ مَن أطاعَهُ ، حَتّى‏ خَرَجَ ابنُ عَقيلٍ يَومَ خَرَجَ وَالمُختارُ في قَريَةٍ لَهُ بِخُطَرنِيَةَ۱تُدعى‏ «لقفا» .
فَجاءَهُ خَبَرُ ابنِ عَقيلٍ عِندَ الظُّهرِ أنَّهُ قَد ظَهَرَ بِالكوفَةِ ، فَلَم يَكُن خُروجُهُ يَومَ خَرَجَ عَلى‏ ميعادٍ مِن أصحابِهِ ، إنَّما خَرَجَ حينَ قيلَ لَهُ : إنَّ هانِئَ بنَ عُروَةَ المُرادِيَّ قَد ضُرِبَ وحُبِسَ .
فَأَقبَلَ المُختارُ في مَوالٍ لَهُ ، حَتَّى انتَهى‏ إلى‏ بابِ الفيلِ بَعدَ الغُروبِ ، وقَد عَقَدَ عُبَيدُ اللَّهِ بنُ زِيادٍ لِعَمرِو بنِ حُرَيثٍ رايَةً عَلى‏ جَميعِ النّاسِ ، وأمَرَهُ أن يَقعُدَ لَهُم فِي المَسجِدِ .
فَلَمّا كانَ المُختارُ وَقَفَ عَلى‏ بابِ الفيلِ ، مَرَّ بِهِ هانِئُ ابنُ أبي حَيَّةَ الوادِعِيُّ ، فَقالَ لِلمُختارِ : ما وُقوفُكَ هاهُنا ! لا أنتَ مَعَ النّاسِ ولا أنتَ في رَحلِكَ ؟ قالَ : أصبَحَ رَأيي مُرتَجّاً لِعظَمِ خَطيئَتِكُم ، فَقالَ لَهُ : أظُنُّكَ وَاللَّهِ قاتِلاً نَفسَكَ ! ثُمَّ دَخَلَ عَلى‏ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ فَأَخبَرَهُ بِما قالَ لِلمُختارِ وما رَدَّ عَلَيهِ المُختارُ .
قالَ أبو مِخنَفٍ : فَأَخبَرَنِي النَّضَرُ بنُ صالِحٍ ، عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي عُمَيرٍ الثَّقَفِيِّ ، قالَ : كُنتُ جالِساً عِندَ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ حينَ بَلَّغَهُ هانِئُ ابنُ أبي حَيَّةَ عَنِ المُختارِ هذِهِ المَقالَةَ ، فَقالَ لي : قُم إلَى ابنِ عَمِّكَ فَأَخبِرهُ أنَّ صاحِبَهُ لا يَدري أينَ هُوَ ، فَلا يَجعَلَنَّ عَلى‏ نَفسِهِ سَبيلاً ، فَقُمتُ لِآتِيَهُ ، ووَثَبَ إلَيهِ زائِدَةُ بنُ قُدامَةَ بنِ مَسعودٍ ، فَقالَ لَهُ : يَأتيكَ عَلى‏ أنَّهُ آمِنٌ ؟ فَقالَ لَهُ عَمرُو بنُ حُرَيثٍ : أمّا مِنّي فَهُوَ آمِنٌ ، وإن رَقى‏ إلَى الأَميرِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ شَي‏ءٌ مِن أمرِهِ أقَمتُ لَهُ بِمَحضَرِهِ الشَّهادَةَ ، وشَفَعتُ لَهُ أحسَنَ الشَّفاعَةِ ، فَقالَ لَهُ زائِدَةَ بنُ قُدامَةَ : لا يَكونَنَّ مَعَ هذا إن شاءَ اللَّهُ إلّا خَيرٌ .
قالَ عَبدُ الرَّحمنِ : فَخَرَجتُ وخَرَجَ مَعي زائِدَةُ إلَى المُختارِ ، فَأَخبَرناهُ بِمَقالَةِ ابنِ أبي حَيَّةَ ، وبِمَقالَةِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ ، وناشَدناهُ بِاللَّهِ ألّا يَجعَلَ عَلى‏ نَفسِهِ سَبيلاً ، فَنَزَلَ إلَى ابنِ حُرَيثٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِ ، وجَلَسَ تَحتَ رايَتِهِ حَتّى‏ أصبَحَ .
وتَذاكَرَ النّاسُ أمرَ المُختارِ وفِعلِهِ ، فَمَشى‏ عُمارَةُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيطٍ بِذلِكَ إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ، فَذَكَرَ لَهُ ، فَلَمَّا ارتَفَعَ النَّهارُ فُتِحَ بابُ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ ، وأذِنَ لِلنّاس ، فَدَخَلَ المُختارُ فيمَن دَخَلَ ، فَدعاهُ عُبَيدُ اللَّهِ ، فَقالَ لَهُ : أنتَ المُقبِلُ فِي الجُموعِ لِتَنصُرَ ابنَ عَقيلٍ ؟ فَقالَ لَهُ : لَم

1.خُطَرْنيَة : ناحية من نواحي بابل العراق (معجم البلدان : ج ۲ ص ۳۷۸) .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1977531
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به