527
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

دَرَّت‏۱ بِهِ معايِشُهُم ، فَإِذا مُحِّصوا۲بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّيّانونَ .۳

۶۶۷.الفتوح : سارَ الحُسَينُ عليه السلام حَتّى‏ نَزَلَ الشُّقوقَ‏۴ ، فَإِذا هُوَ بِالفَرَزدَقِ بنِ غالِبٍ الشّاعِرِ قَد أقبَلَ عَلَيهِ ، فَسَلَّمَ ، ثُمَّ دَنا مِنهُ فَقَبَّلَ يَدَهُ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : مِن أينَ أقبَلتَ يا أبا فِراسٍ ؟ فَقالَ : مِنَ الكوفَةِ يَابنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ ! فَقالَ : كَيفَ خَلَّفتَ أهلَ الكوفَةِ ؟ فَقالَ : خَلَّفتُ النّاسَ مَعَكَ ، وسُيوفَهُم مَعَ بَني اُمَيَّةَ ، وَاللَّهُ يَفعَلُ في خَلقِهِ ما يَشاءُ .
فَقالَ : صَدَقتَ وبَرَرتَ . إنَّ الأَمرَ للَّهِ‏ِ يَفعَلُ ما يَشاءُ ، ورَبُّنا تَعالى‏ كُلَّ يَومٍ هُوَ في شَأنٍ ، فَإِن نَزَلَ القَضاءُ بِما نُحِبُّ فَالحَمدُ للَّهِ‏ِ عَلى‏ نَعمائِهِ ، وهُوَ المُستَعانُ عَلى‏ أداءِ الشُّكرِ ، وإن حالَ القَضاءُ دونَ الرَّجاءِ ، فَلَم يَعتَدِ مَن كانَ الحَقَّ نِيَّتُهُ .
فَقالَ الفَرَزدَقُ : يَابنَ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ ! كَيفَ تَركَنُ إلى‏ أهلِ الكوفَةِ ، وهُم قَد قَتَلُوا ابنَ عَمِّكَ مُسلِمَ بنَ عَقيلٍ وشيعَتَهُ ؟
قالَ : فَاستَعبَرَ الحُسَينُ عليه السلام بِالبُكاءِ ، ثُمَّ قالَ : رَحِمَ اللَّهُ مُسلِماً ، فَلَقَد صارَ إلى‏ رَوحِ اللَّهِ ورَيحانِهِ ، وجَنَّتِهِ ورِضوانِهِ ، أما إنَّهُ قَد قَضى‏ ما عَلَيهِ ، وبَقِيَ ما عَلَينا .
قالَ : ثُمَّ أنشَأَ الحُسَينُ عليه السلام يَقولُ :


وإن تَكُنِ الدُّنيا تُعَدُّ نَفيسَةًفَدارُ ثَوابِ اللَّهِ أعلى‏ وأنبَلُ‏
وإن تَكُنِ الأَبدانُ لِلمَوتِ اُنشِئَت‏فَقَتلُ امرِىً بِالسَّيفِ فِي اللَّهِ أفضَلُ‏
وإن تَكُنِ الأَرزاقُ رِزقاً مُقَدَّراًفَقِلّةُ حِرصِ المَرءِ فِي‏الرِّزقِ أجمَلُ‏
وإن تَكُنِ الأَموالُ لِلتَّركِ جَمعُهافَما بالُ مَتروكٍ بِهِ الخَيرُ يُبخَلُ‏

1.درّ اللبن : إذا زاد وكثر (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۵۸۷ «درر») .

2.التمحيص : الابتلاء والاختبار (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۵۶ «محص») .

3.كشف الغمّة : ج ۲ ص ۲۴۴ ، الحدائق الورديّة : ج ۱ ص ۱۱۳ عن الطرمّاح الطائي الشاعر نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۱۹۵ ح ۹ ؛ بغية الطلب في تاريخ حلب : ج ۶ ص ۲۶۱۳ ، بستان الواعظين : ص ۲۶۲ كلاهما نحوه .

4.شُقُوق : منزل بطريق مكّة بعد واقصة من الكوفة وبعدها تلقاء مكّة بطان (معجم البلدان : ج ۳ ص ۳۵۶) وراجع : الخريطة رقم ۳ في آخر الكتاب .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
526

فَتَّشَني عَن أكثَرَ مِن ذلِكَ ، ثُمَّ قالَ لي : أخبِرني عَنِ النّاسِ خَلفَكَ ، فَقُلتُ : الخَبيرَ سَأَلتَ ، قُلوبُ النّاسِ مَعَكَ ، وأسيافُهُم عَلَيكَ ، وَالقَضاءُ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ ، وَاللَّهُ يَفعَلُ ما يَشاءُ .
فَقالَ : صَدَقتَ ، للَّهِ‏ِ الأَمرُ ، وكُلَّ يَومٍ رَبُّنا هُوَ في شَأنٍ ، إن نَزَلَ القَضاءُ بِما نُحِبُّ فَنَحمَدُ اللَّهَ عَلى‏ نَعمائِهِ ، وهُوَ المُستَعانُ عَلى‏ أداءِ الشُّكرِ ، وإن حالَ القَضاءُ دونَ الرَّجاءِ ، فَلَم يَبعُد مَن كانَ الحَقَّ نِيَّتُهُ ، وَالتَّقوى‏ سَريرَتُهُ . فَقُلتُ لَهُ : أجَل ، بَلَّغَكَ اللَّهُ ما تُحِبُّ ، وكَفاكَ ما تَحذَرُ .۱

۶۶۵.تذكرة الخواصّ : أمَّا الحُسَينُ عليه السلام ، فَإِنَّهُ خَرَجَ مِن مَكَّةَ سابِعَ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ سِتّينَ ، فَلَمّا وَصَلَ بُستانَ بَني عامِرٍ ، لَقِيَ الفَرَزدَقَ الشّاعِرَ وكانَ يَومَ التَّروِيَةِ .
فَقالَ لَهُ : إلى‏ أينَ يَابنَ رَسولِ اللَّهِ ! ما أعجَلَكَ عَنِ المَوسِمِ ؟! قالَ : لَو لَم أعجَل لَاُخِذتُ أخذاً ، فَأَخبِرني يا فَرَزدَقُ عَمّا وَراءَكَ ؟ فَقالَ : تَرَكتُ النّاسَ بِالعِراقِ قُلوبَهُم مَعَكَ ، وسُيوفَهُم مَعَ بَني اُمَيَّةَ ، فَاتَّقِ اللَّهَ في نَفسِكَ وَارجِع .
فَقالَ لَهُ : يا فَرَزدَقُ ! إنَّ هؤُلاءِ قَومٌ لَزِموا طاعَةَ الشَّيطانِ ، وتَرَكوا طاعَةَ الرَّحمنِ ، وأظهَروا الفَسادَ فِي الأَرضِ ، وأبطَلُوا الحُدودَ ، وشَرِبُوا الخُمورَ ، وَاستَأثَروا في أموالِ الفُقَراءِ وَالمَساكينِ ، وأنَا أولى‏ مَن قامَ بِنُصرَةِ دينِ اللَّهِ ، وإعزازِ شَرعِهِ ، وَالجِهادِ في سَبيلِهِ ، لِتَكونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُليا . فَأَعرَضَ عَنهُ الفَرَزدَقُ وسارَ .۲

۶۶۶.كشف الغمّة عن الفرزدق : لَقِيَنِي الحُسَينُ عليه السلام في مُنصَرَفي مِنَ الكوفَةِ ، فَقالَ : ما وَراءَكَ يا أبا فِراسٍ ؟ قُلتُ : أصدُقُكَ ؟ قالَ عليه السلام : الصِّدقُ اُريدُ .
قُلتُ : أمّا القلوبُ فَمَعَكَ ، وأمّا السُّيوفُ فَمَعَ بَني اُمَيَّةَ ، وَالنَّصرُ مِن عِندِ اللَّهِ .
قالَ : ما أراكَ إلّا صَدَقتَ . النّاسُ عَبيدُ المالِ ، وَالدّينُ لَغوٌ۳ عَلى‏ ألسِنَتِهِم ، يَحوطونَهُ ما

1.الإرشاد : ج ۲ ص ۶۷ ، إعلام الورى : ج ۱ ص ۴۴۵ وليس فيه ذيله من «وقضاء ينزل» ، مثير الأحزان : ص ۴۰ عن عبيد اللَّه بن سليم والمدري نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۶۵ .

2.تذكرة الخواصّ : ص ۲۴۰ وراجع : الأمالي للشجري : ج ۱ ص ۱۶۶ والحدائق الورديّة : ج ۱ ص ۱۱۴ .

3.اللَّغْوَ واللّغى‏ : السَّقط وما لا يُعتدّ به من الكلام وغيره ، ولا يُحصل منه على فائدة ولا نفع ، وكاللغوى‏ ؛ وهو ما كان من الكلام غير معقود عليه (تاج العروس : ج ۲۰ ص ۱۵۴ «لغو») وفي بعض النقول «لعقٌ على‏ ألسنتِهم» ، وهو على الاستعارة ، مِن لَعِقَه لَعقاً : أي لَحسَهُ ، أي إنّ الدين لم يتجاوز ألسنتهم .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1970914
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به