557
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

لِأَهلِهِ فَيَكونُ ذلِكَ للَّهِ‏ِ رِضىً ، وإن كَرِهتُمونا وجَهِلتُم حَقَّنا ، وكانَ رَأيُكُم عَلى‏ خِلافِ ما جاءَت بِهِ كُتُبُكُم ، وقَدِمَت بِهِ رُسُلُكُم ، اِنصَرَفتُ عَنكُم .
قالَ : فَتَكَلَّمَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ بَينَهُ وبَينَ أصحابِهِ ، فَقالَ : أبا عَبدِ اللَّهِ ! ما نَعرِفُ هذِهِ الكُتُبَ ، ولا مَن هؤُلاءِ الرُّسُلُ ؟
قالَ : فَالتَفَتَ الحُسَينُ عليه السلام إلى‏ غُلامٍ لَهُ يُقالُ لَهُ : عُقبَةُ بنُ سَمعانَ ، فَقالَ : يا عُقبَةُ ! هاتِ الخُرجَينِ اللَّذَينِ فيهِمَا الكُتُبُ ، فَجاءَ عُقبَةُ بِكُتُبِ أهلِ الشّامِ‏۱ وَالكوفَةِ ، فَنَثَرَها بَينَ أيديهِم ثُمَّ تَنَحّى‏ ، فَتَقَدَّموا ونَظَروا إلى‏ عُنوانِها ، ثُمَّ تَنَحَّوا .
فَقالَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ : أبا عَبدِ اللَّهِ ! لَسنا مِنَ القَومِ الَّذينَ كَتَبوا إلَيكَ هذِهِ الكُتُبَ ، وقَد اُمِرنا إن لَقيناكَ لا نُفارِقُكَ حَتّى‏ نَأتِيَ بِكَ عَلَى الأَميرِ .
فَتَبَسَّمَ الحُسَينُ عليه السلام ثُمَّ قالَ : يَابنَ يَزيدَ ! أوَ تَعلَمُ أنَّ المَوتَ أدنى‏ إلَيكَ مِن ذلِكَ ، ثُمَّ التَفَتَ الحُسَينُ عليه السلام فَقالَ : اِحمِلُوا النِّساءَ لِيَركَبوا ، حَتّى‏ نَنظُرَ مَا الَّذي يَصنَعُ هذا وأصحابُهُ !
قالَ : فَرَكِبَ أصحابُ الحُسَينِ عليه السلام وساقُوا النِّساءَ بَينَ أيديهِم ، فَقَدِمَت خَيلُ الكوفَةِ حَتّى‏ حالَت بَينَهُم وبَينَ المَسيرِ ، فَضَرَبَ الحُسَينُ عليه السلام بِيَدِهِ إلى‏ سَيفِهِ ثُمَّ صاحَ بِالحُرِّ : ثَكِلَتكَ اُمُّكَ ! مَا الَّذي تُريدُ أن تَصنَعَ ؟
فَقالَ الحُرُّ : أما وَاللَّهِ لَو قالَها غَيرُكَ مِنَ العَرَبِ لَرَدَدتُها عَلَيهِ كائِناً مَن كانَ ، ولكِن لا وَاللَّهِ ما لي إلى‏ ذلِكَ سَبيلٌ مِن ذِكرِ اُمِّكَ ، غَيرَ أنَّهُ لا بُدَّ أن أنطَلِقَ بِكَ إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : إذَن وَاللَّهِ لا أتبَعُكَ أو تَذهَبَ نَفسي .
قالَ الحُرُّ : إذَن وَاللَّهِ لا اُفارِقُكَ أو تَذهَبَ نَفسي وأنفُسُ أصحابي !
قالَ الحُسَينُ عليه السلام : بَرِّز أصحابي وأصحابَكَ وَابرُز إلَيَّ ، فَإِن قَتَلتَني خُذ بِرَأسي إلَى ابنِ زِيادٍ ، وإن قَتَلتُكَ أرَحتُ الخَلقَ مِنكَ .
فَقالَ الحُرُّ : أبا عَبدِ اللَّهِ ! إنّي لَم اُؤمَر بِقَتلِكَ ، وإنَّما اُمِرتُ ألّا اُفارِقَكَ أو اقدَمَ بِكَ عَلَى ابنِ زِيادٍ ، وأنَا وَاللَّهِ كارِهٌ إن يَبتَلِيَنِيَ‏۲اللَّهُ بِشَي‏ءٍ مِن أمرِكَ ، غَيرَ أنّي قَد أخَذتُ بِبَيعَةِ القَومِ وخَرَجتُ

1.ليس في سائر المصادر الإشارة إلى أهل الشام ، والظاهر أنّه الصواب .

2.في المصدر : «سلبني» ، والتصويب من المصادر الاُخرى‏ .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
556

فَلَمّا نَظَرَ إلَيهِمُ الحُسَينُ عليه السلام وَقَفَ في أصحابِهِ ، ووَقَفَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ في أصحابِهِ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : أيُّهَا القَومُ ! مَن أنتُم ؟ قالوا : نَحنُ أصحابُ الأَميرِ عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زِيادٍ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : ومَن قائِدُكُم ؟ قالوا : الحُرُّ بنُ يَزيدَ الرِّياحِيُّ .
قالَ : فَناداهُ الحُسَينُ عليه السلام : وَيحَكَ يَابنَ يَزيدَ ! ألَنا أم عَلَينا ؟ فَقالَ الحُرُّ : بَل عَلَيكَ أبا عَبدِ اللَّهِ !
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ .
قالَ : ودَنَت صَلاةُ الظُّهرِ ، فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام لِلحَجّاجِ بنِ مَسروقٍ : أذِّن - رَحِمَكَ اللَّهُ - وأقِمِ الصَّلاةَ حَتّى‏ نُصَلِّيَ ! قالَ : فَأَذَّنَ الحَجّاجُ ، فَلَمّا فَرَغَ مِن أذانِهِ صاحَ الحُسَينُ عليه السلام بِالحُرِّ بنِ يَزيدَ فَقالَ لَهُ : يَابنَ يَزيدَ ! أتُريدُ أن تُصَلِّيَ بِأَصحابِكَ واُصَلِّيَ بِأَصحابي ؟
فَقالَ لَهُ الحُرُّ : بَل أنتَ تُصَلّي بِأَصحابِكَ ونُصَلّي بِصَلاتِكَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام لِلحَجّاجِ بنِ مَسروقٍ : أقِمِ الصَّلاةَ ! فَأَقامَ ، وتَقَدَّمُ الحُسَينُ عليه السلام فَصَلّى‏ بِالعَسكَرَينِ جَميعاً . فَلَمّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ وَثَبَ قائِماً ، فَاتَّكَأَ عَلى‏ قائِمَةِ سَيفِهِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأثنى‏ عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
أيُّهَا النّاسُ ! إنَّها مَعذِرَةٌ إلَى اللَّهِ وإلى‏ مَن حَضَرَ مِنَ المُسلِمينَ ، إنّي لَم أقدَم عَلى‏ هذَا البَلَدِ حَتّى‏ أتَتني كُتُبُكُم ، وقَدِمَت عَلَيَّ رُسُلُكُم أنِ اقدَم إلَينا إنَّهُ لَيسَ عَلَينا إمامٌ ، فَلَعَلَّ اللَّهَ أن يَجمَعَنا بِكَ عَلَى الهُدى‏ . فَإِن كُنتُم عَلى‏ ذلِكَ فَقَد جِئتُكُم ، فَإِن تُعطوني ما يَثِقُ بِهِ قَلبي مِن عُهودِكُم ومِن مَواثيقِكُم دَخَلتُ مَعَكُم إلى‏ مِصرِكُم ، وإن لَم تَفعَلوا وكُنتُم كارِهينَ لِقُدومي عَلَيكُمُ ، اِنصَرَفتُ إلى‏ المَكانِ الَّذي أقبَلتُ مِنهُ إلَيكُم .
قالَ : فَسَكَتَ القَومُ عَنهُ ولَم يُجيبوا بِشَي‏ءٍ ، وأمَرَ الحُرُّ بنُ يَزيدَ بِخَيمَةٍ لَهُ فَضُرِبَت ، فَدَخَلَها وجَلَسَ فيها . فَلَم يَزَلِ الحُسَينُ عليه السلام واقِفاً مُقابِلَهُم وكُلُّ واحِدٍ مِنهُم آخِذٌ بِعِنانِ فَرَسِهِ... .
قالَ : ودَنَت صَلاةُ العَصرِ فَأَمَرَ الحُسَينُ عليه السلام مُؤَذِّنَهُ فَأَذَّنَ وأقامَ الصَّلاةَ ، وتَقَدَّمَ الحُسَينُ عليه السلام فَصَلّى‏ بِالعَسكَرَينِ، فَلَمّا انصَرَفَ مِن صَلاتِهِ وَثَبَ قائِماً عَلى‏ قَدَمَيهِ، فَحَمِدَاللَّهَ وأثنى‏ عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ:
أيُّهَا النّاسُ ! أنَا ابنُ بِنتِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، ونَحنُ أولى‏ بِوِلايَةِ هذِهِ الاُمورِ عَلَيكُم مِن هؤُلاءِ المُدَّعينَ ما لَيسَ لَهُم ، وَالسّائِرينَ فيكُم بِالظُّلمِ وَالعُدوانِ ، فَإِن تَثِقوا بِاللَّهِ وتَعرِفُوا الحَقَّ

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2002709
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به