559
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

لَهُمُ الحُسَينُ عليه السلام : ما هذَا التَّكبيرُ ؟ قالوا : رَأَينَا النَّخلَ ، فَقالَ بَعضُ أصحابِهِ : ما بِهذَا المَوضِعِ وَاللَّهِ نَخلٌ ، ولا أحسَبُكُم تَرَونَ إلّا هَوادِيَ الخَيلِ وأطرافَ الرِّماحِ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : وأنا وَاللَّهِ أرى‏ ذلِكَ .
فَمَضَوا لِوُجوهِهِم ، ولَحِقَهُمُ الحُرُّ بنُ يَزيدَ في أصحابِهِ ، فَقالَ لِلحُسَينِ عليه السلام : إنّي اُمِرتُ أن اُنزِلَكَ في أيِّ مَوضِعٍ لَقيتُكَ ، واُجَعجِعَ بِكَ ، ولا أترُكَكَ أن تَزولَ مِن مَكانِكَ .
قالَ : إذاً اُقاتِلَكَ ، فَاحذَر أن تَشقى‏ بِقَتلي ثَكِلَتكَ اُمُّكَ !
فَقالَ : أما وَاللَّهِ لَو غَيرُكَ مِنَ العَرَبِ يَقولُها - وهُوَ عَلى‏ مِثلِ الحالِ الَّتي أنتَ عَلَيها - ما تَرَكتُ ذِكرَ اُمِّهِ بِالثُّكلِ أن أقولَهُ كائِناً مَن كانَ ، ولكِن - وَاللَّهِ - ما لي إلى‏ ذِكرِ اُمِّكَ مِن سَبيلٍ إلّا بِأَحسنِ ما يُقدَرُ عَلَيهِ .
وأقبَلَ يَسيرُ وَالحُرُّ يُسايِرُهُ ويَمنَعُهُ مِنَ الرُّجوعِ مِن حَيثُ جاءَ ، ويَمنَعُ الحُسَينُ عليه السلام مِن دُخولِ الكوفَةِ ، حَتّى‏ نَزَلَ بِأَقساسِ مالِكٍ‏۱ ، وكَتَبَ الحُرُّ إلى‏ عُبَيدِ اللَّهِ يُعلِمُهُ ذلِكَ .۲

۷۱۰.الأخبار الطوال : فَلَمَّا انتَصَفَ النَّهارُ وَاشتَدَّتِ الحَرُّ - وكانَ ذلِكَ فِي القَيظِ - تَراءَت لَهُمُ الخَيلُ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام لِزُهَيرِ بنِ القَينِ : أما هاهُنا مَكانٌ يُلجَأُ إلَيهِ ، أو شَرَفٌ نَجعَلُهُ خَلفَ ظُهورِنا ونَستَقبِلُ القَومَ مِن وَجهٍ واحِدٍ ؟
قالَ لَهُ زُهَيرٌ : بَلى‏ ، هذا جَبَلُ ذي جُشَمٍ يَسرَةً عَنكَ ، فَمِل بِنا إلَيهِ فَإِن سَبَقتَ إلَيهِ فَهُوَ كَما تُحِبُّ ، فَسارَ حَتّى‏ سَبَقَ إلَيهِ ، وجَعَلَ ذلِكَ الجَبَلَ وَراءَ ظَهرِهِ .
وأقبَلَتِ الخَيلُ - وكانوا ألفَ فارِسٍ - مَعَ الحُرِّ بنِ يَزيدَ التَّميمِيِّ ، ثُمَّ اليَربوعِيِّ ، حَتّى‏ إذا دَنَوا ، أمَرَ الحُسَينُ عليه السلام فِتيانَهُ أن يَستَقبلوهُم بِالماءِ ، فَشَرِبوا ، وتَغَمَّرَت خَيلُهُم ، ثُمَّ جَلَسوا جَميعاً في ظِلِّ خُيولِهِم ، وأعِنَّتُها في أيديهِم ، حَتّى‏ إذا حَضَرَتِ الظُّهرُ قالَ الحُسَينُ عليه السلام لِلحُرِّ : أتُصَلّي مَعَنا ، أم تُصَلّي بِأَصحابِكَ واُصَلّي بِأَصحابي ؟ قالَ الحُرُّ : بَل نُصَلّي جَميعاً بِصَلاتِكَ .
فَتَقَدَّمَ الحُسَينُ عليه السلام ، فَصَلّى‏ بِهِم جَميعاً ، فَلَمَّا انفَتَلَ مِن صَلاتِهِ حَوَّلَ وَجهَهُ إلَى القَومِ ، ثُمَّ قالَ :

1.أقساس : قرية بالكوفة يقال لها : أقساس مالك ، منسوبة إلى مالك بن عبد هند (معجم البلدان : ج ۱ ص ۲۳۶) وراجع : الخريطة رقم ۴ في آخر الكتاب .

2.مقاتل الطالبيّين : ص ۱۱۱ .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
558

إلَيكَ ، وأنَا أعلَمُ أنَّهُ لا يُوافِي القِيامَةَ أحَدٌ مِن هذِهِ الاُمَّةِ إلّا وهُوَ يَرجو شَفاعَةَ جَدِّكَ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه وآله ، وأنَا خائِفٌ إن أنَا قاتَلتُكَ أن أخسَرَ الدُّنيا وَالآخِرَةَ ، ولِكن أنَا - أبا عَبدِ اللَّهِ - لَستُ أقدِرُ الرُّجوعَ إلَى الكوفَةِ في وَقتي هذا ، ولكِن خُذ عَنّي هذَا الطَّريقَ وَامضِ حَيثُ شِئتَ ، حَتّى‏ أكتُبَ إلَى ابنِ زِيادٍ أنَّ هذا خالَفَني فِي الطَّريقِ فَلَم أقدِر عَلَيهِ ، وأنَا أنشُدُكَ اللَّهَ في نَفسِكَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : يا حُرُّ ! كَأَنَّكَ تُخبِرُني أنّي مَقتولٌ ! فَقالَ الحُرُّ : أبا عَبدِ اللَّهِ ! نَعَم ، ما أشُكُّ في ذلِكَ إلّا أن تَرجِعَ مِن حَيثُ جِئتَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : ما أدري ما أقولُ لَكَ ، ولكِنّي أقولُ كَما قالَ أخُو الأَوسِ حَيثُ يَقولُ :




سَأَمضي‏وما بِالمَوتِ عارٌ عَلَى‏الفَتى‏إذا ما نَوى‏ خَيراً وجاهَدَ مُسلِما
وواسَى الرِّجالَ الصّالِحينَ بِنَفسِهِ‏وفارَقَ مَذموماً وخالَفَ مُجرِما
اُقَدِّمُ نَفسي لا اُريدُ بَقاءَهالِتَلقى‏ خَميساً۱فِي الوَغاءِ عَرَمرَما
۲
فَإِن عِشتُ لَم أندَم‏۳وإن مِتُّ لَم اُذَمّ‏كَفى‏ بِكَ ذُلّاً أن تَعيشَ مُرَغَّما .
۴

۷۰۹.مقاتل الطالبيّين عن أبي مخنف : إنَّ عُبَيدَ اللَّهِ بنَ زِيادٍ وَجَّهَ الحُرَّ بنَ يَزيدَ لِيَأخُذَ الطَّريقَ عَلَى الحُسَينِ عليه السلام ، فَلَمّا صارَ في بَعضِ الطَّريقِ لَقِيَهُ أعرابِيّانِ مِن بَني أسَدٍ ، فَسَأَلَهُما عَنِ الخَبَرِ ، فَقالا لَهُ : يَابنَ رَسولِ اللَّهِ ! إنَّ قُلوبَ النّاسِ مَعَكَ ، وسُيوفَهُم عَلَيكَ ، فَارجِع . وأخبَراهُ بِقَتلِ ابنِ عَقيلٍ وأصحابِهِ ، فَاستَرجَعَ الحُسَينُ عليه السلام .
فَقالَ لَهُ بَنو عَقيلٍ : لا نَرجِعُ وَاللَّهِ أبَداً ، أو نُدرِكَ ثَأرَنا ، أو نُقتَلَ بِأَجمَعِنا .
فَقالَ لِمَن كانَ لَحِقَ بِهِ مِنَ الأَعرابِ : مَن كانَ مِنكُم يُريدُ الاِنصِرافَ عَنّا فَهُوَ في حِلٍّ مِن بَيعَتِنا . فَانصَرَفوا عَنهُ ، وبَقِيَ في أهلِ بَيتِهِ ونَفَرٍ مِن أصحابِهِ .
ومَضى‏ حَتّى‏ دَنا مِنَ الحُرِّ بنِ يَزيدَ ، فَلَمّا عايَنَ أصحابُهُ العَسكَرَ مِن بَعيدٍ كَبَّروا ، فَقالَ

1.الخَمِيسُ : الجيش . وقيل : الجيش الجرّار (لسان العرب : ج ۶ ص ۷۰ «خمس») .

2.العَرَمْرَمُ : الشديد والجيش الكثير (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۱۴۹ «عُرام») .

3.في المصدر : «لم اُلَم» ، وما أثبتناه هو الصحيح وبه يستقيم الوزن ، وكما في المصادر الاُخرى‏ .

4.الفتوح : ج ۵ ص ۷۶ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۳۰ نحوه وراجع : المنتظم : ج ۵ ص ۳۳۵ وتذكرة الخواصّ : ص ۲۴۰ .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2002650
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به