569
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

وقُلتُ لَهُ : دَفَعَ اللَّهُ عَنكَ شَرَّ الجِنِّ وَالإِنسِ ، إنّي قَدِ امتَرتُ‏۱لِأَهلي مِنَ الكوفَةِ ميرَةً ، ومَعي نَفَقَةٌ لَهُم ، فَآتيهِم فَأَضَعُ ذلِكَ فيهِم ، ثُمَّ اُقبِلُ إلَيكَ إن شاءَ اللَّهُ ، فَإِن ألحَقكَ فَوَاللَّهِ لَأَكونَنَّ مِن أنصارِكَ .
قالَ : فَإِن كُنتَ فاعِلاً فَعَجِّل رَحِمَكَ اللَّهُ ! قالَ : فَعَلِمتُ أنَّهُ مُستَوحِشٌ إلَى الرِّجالِ حَتّى‏ يَسأَلُنِي التَّعجيلَ .
قالَ : فَلَمّا بَلَغتُ أهلي وَضَعتُ عِندَهُم ما يُصلِحُهُم ، وأوصَيتُ ، فَأَخَذَ أهلي يَقولونَ : إنَّكَ لَتَصنَعُ مَرَّتُكَ هذِهِ شَيئاً ما كُنتَ تَصنَعُهُ قَبلَ اليَومِ ! فَأَخبَرتُهُم بِما اُريدُ ، وأقبَلتُ في طَريقِ بَني ثُعَلٍ ، حَتّى‏ إذا دَنَوتُ مِن عُذَيبِ الهِجاناتِ استَقبَلَني سَماعَةُ بنُ بَدرٍ ، فَنَعاهُ إلَيَّ ، فَرَجَعتُ .۲

۷۲۲.أنساب الأشراف : تَنَحَّى [الحُرُّ بنُ يَزيدَ] بِأَصحابِهِ في ناحِيَةِ عُذَيبِ الهِجاناتِ - وهِيَ الَّتي كانَت هَجائِنُ النُّعمانِ بنِ المُنذِرِ تَرعى‏ بِها - وإذا هُم بِأَربَعَةٍ نَفَرٍ مُقبِلينَ مِنَ الكوفَةِ عَلى‏ رَواحِلِهِم ، يَجنُبونَ فَرَساً لِنافِعِ بنِ هِلالٍ - يُقالُ لَهُ الكامِلُ - وكانَ الأَربَعَةُ النَّفَرُ : نافِعُ بنُ هِلالٍ المُرادِيُّ ، وعَمرُو بنَ خالِدٍ الصَّيداوِيُّ وسَعدٌ مَولاهُ ، ومُجَمِّعُ بنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ العائِذِيِّ مِن مَذحِجٍ .
فَقالَ الحُرُّ : إنَّ هؤُلاءِ القَومَ لَيسوا مِمَّن أقبَلَ مَعَكَ ، فَأَنَا حابِسُهُم أو رادُّهُم .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : إذاً أمنَعَهُم مِمّا أمنَعُ مِنهُ نَفسي ! إنَّما هؤُلاءِ أنصاري وأعواني ، وقَد جَعَلتَ لي ألّا تَعرِضَ لي حَتّى‏ يَأتِيَكَ كتابُ ابنِ زِيادٍ . فَكَفَّ عَنهُم .
وسَأَلَهُمُ الحُسَينُ عليه السلام عَنِ النّاسِ ، فَقالوا : أمَّا الأَشرافُ فَقد اُعظِمَت رِشوَتُهُم ، ومُلِئَت غَرائِرُهُم لِيُستَمالَ وُدُّهُم ، وتُستَنزَلَ نَصائِحُهُم ، فَهُم عَلَيكَ إلبٌ واحِدٌ ، وما كَتَبوا إلَيكَ إلّا لِيَجعَلوكَ سوقاً وكَسباً . وأمّا سائِرُ النّاسِ بَعدُ ، فَأَفئِدَتُهُم تَهوي إلَيكَ ، وسُيوفُهُم غَداً مَشهورَةٌ عَليكَ .
وكانَ الطِّرِمّاحُ بنُ عَدِيٍّ دَليلَ هؤُلاءِ النَّفَرِِ ، فَأَخَذَ بِهِم عَلَى الغَرِيَّينِ ، ثُمَّ ظَعَنَ بِهِم فِي الجَوفِ ، وخَرَجَ بِهِم عَلَى البَيضَةِ إلى‏ عُذَيبِ الهِجاناتِ ، وكانَ يَقولُ وهُوَ يَسيرُ :

1.المِيرَة : الطعام يمتاره الإنسان ، وامتارَ لهم : جلبَ لهم . ويقال : مارَهُم يميرهم : إذا أعطاهم المِيرة (تاج العروس : ج ۷ ص ۵۰۰ «مير») .

2.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۰۴ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۵۳ ، البداية والنهاية : ج ۸ ص ۱۷۳ كلاهما نحوه وراجع : تجارب الاُمم : ج ۲ ص ۶۵ ، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۲۸ .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
568

فَقالوا : نَعَم ، أخَذَهُ الحُصَينُ بنُ تَميمٍ‏۱ ، فَبَعَثَ بِهِ إلَى ابنِ زِيادٍ ، فَأَمَرَهُ ابنُ زِيادٍ أن يَلعَنَكَ ويَلعَنَ أباكَ ، فَصَلّى‏ عَلَيكَ وعَلى‏ أبيكَ ، ولَعَنَ ابنَ زِيادٍ وأباهُ ، ودَعا إلى‏ نُصرَتِكَ ، وأخبَرَهُم بِقُدومِكَ ، فَأَمَرَ بِهِ ابنُ زِيادٍ فَاُلقِيَ مِن طَمارِ۲القَصرِ ؛ فَتَرَقرَقَت عَينا حُسَينٍ عليه السلام ولَم يَملِك دَمعَهُ ، ثُمَّ قالَ : «فَمِنْهُم مَّن قَضَى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً » .۳اللَّهُمَّ اجعَل لَنا ولَهُمُ الجَنَّةَ نُزُلاً ، وَاجمَع بَينَنا وبَينَهُم في مُستَقَرًّ مِن رَحمَتِكَ ، ورَغائِبِ مَذخورِ ثَوابِكَ .
قالَ أبو مِخنَفٍ : حَدَّثَني جَميلُ بنُ مَرثَدٍ مِن بَني مَعَنٍ ، عَنِ الطِّرِمّاحِ بنِ عَدِيٍّ ؛ أنَّهُ دَنا مِنَ الحُسَينِ عليه السلام فَقالَ لَهُ : وَاللَّه إِنّي لَأَنظُرُ فَما أرى‏ مَعَكَ أحَداً ، ولَو لَم يُقاتِلكَ إلّا هؤُلاءِ الَّذينَ أراهُم مُلازِميكَ لَكانَ كَفى‏ بِهِم ، وقَد رَأَيتُ قَبلَ خُروجي مِنَ الكوفَةِ إلَيكَ بِيَومٍ ظَهرَ الكوفَةِ ، وفيهِ مِنَ النّاسِ ما لَم تَرَ عَينايَ في صَعيدٍ واحِدٍ جَمعاً أكثَرَ مِنهُ ، فَسَأَلتُ عَنهُم ، فَقيلَ : اِجتَمَعوا لِيُعرَضوا ، ثُمَّ يُسَرَّحونَ إلَى الحُسَينِ .
فَأَنشُدُكَ اللَّهَ إن قَدَرتَ عَلى‏ ألّا تَقَدَّمَ عَلَيهِم شِبراً إلّا فَعَلتَ ! فإن أرَدتَ أن تَنزِلَ بَلَداً يَمنَعُكَ اللَّهُ بِهِ حَتّى‏ تَرى‏ مِن رَأيِكَ ، ويَستَبينَ لَكَ ما أنتَ صانِعٌ ، فَسِر حَتّى‏ اُنزِلَكَ مَناعَ جَبَلِنا الَّذي يُدعى‏ أجَأً ، اِمتَنَعنا وَاللَّهِ بِهِ مِن مُلوكِ غَسّانَ وحِميَرٍ ، ومِنَ النُّعمانِ بنِ المُنذِرِ ، ومِنَ الأَسوَدِ وَالأَحمَرِ ، وَاللَّهِ إن دَخَلَ عَلَينا ذُلٌّ قَطُّ ؛ فَأَسيرُ مَعَكَ حَتّى‏ اُنزِلَكَ القُرَيَّةَ ، ثُمَّ نَبعَثُ إلَى الرِّجالِ مِمَّن بِأَجَأٍ وسَلمى‏ مِن طَيِّئٍ ،۴ فَوَاللَّهِ لا يَأتي عَلَيكَ عَشَرَةُ أيّامٍ حَتّى‏ تَأتِيَكَ طَيِّئٌ رِجالاً ورُكباناً ، ثُمَّ أقِم فينا ما بَدا لَكَ ، فَإِن هاجَكَ هَيجٌ فَأَنَا زَعيمٌ لَكَ بِعِشرينَ ألفَ طائِيٍّ يَضرِبونَ بَينَ يَدَيكَ بِأَسيافِهِم ، وَاللَّهِ لا يوصَلُ إلَيكَ أبَداً ومِنهُم عَينٌ تَطرِفُ .
فَقالَ لَهُ : جَزاكَ اللَّهُ وقَومَكَ خَيراً ! إنَّهُ قَد كانَ بَينَنا وبَينَ هؤُلاءِ القَومِ قَولٌ لَسنا نَقدِرُ مَعَهُ عَلَى الاِنصِرافِ ، ولا نَدري عَلامَ تَنصَرِفُ بِنا وبِهِمُ الاُمورُ في عاقِبِهِ .
قالَ أبو مِخنَفٍ : فَحَدَّثَني جَميلُ بنُ مَرثَدٍ ، قالَ : حَدَّثَني الطِّرِمّاحُ بنُ عَدِيٍّ، قالَ: فَوَدَّعتُهُ

1.كذا في المصدر ، وفي أكثر المصادر : «الحصين بن نمير» .

2.طَمار - بوزن قَطام - : الموضع المرتفع العالي (النهاية : ج ۳ ص ۱۳۸ «طمر») .

3.الأحزاب : ۲۳ .

4.راجع : الخريطة رقم ۳ في آخر الكتاب .

  • نام منبع :
    الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبائي نژاد،محمود؛ السيّدطبائي،روح الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1986873
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به