973
الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام

فَكانَت بَعدَ ذلِكَ تُثمِرُ ثَمَراً دونَ ذلِكَ فِي العِظَمِ وَالطَّعمِ وَالرّائِحَةِ ، فَأَقامَت عَلى‏ ذلِكَ نَحوَ ثَلاثينَ سَنَةً ، فَلَمّا كانَ ذاتَ يَومٍ أصبَحنا ، وإذا بِها قَد شاكَت مِن أوَّلِها إلى‏ آخِرِها ، وذَهَبَت نَضارَةُ عيدانِها ، وتَساقَطَت جَميعُ ثَمَرَتِها ، فَما كانَ إلّا يَسيرٌ حَتّى‏ وافى‏ خَبَرُ مَقتَلِ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَما أثمَرَت بَعدَ ذلِكَ ، لا قَليلاً ولا كَثيراً ، وَانقَطَعَ ثَمَرُها ، ولَم نَزَل نَحنُ ومَن حَولَنا نَأخُذُ مِن وَرَقِها ، ونُداوي بِهِ مَرضانا ، ونَستَشفي بِهِ مِن أسقامِنا . فَأَقامَت عَلى‏ ذلِكَ بُرهَةً طَويلَةً .
ثُمَّ أصبَحنا ذاتَ يَومٍ ، فَإِذا بِها قَدِ انبَعَثَ مِن ساقِها دَمٌ عَبيطٌ ، وإذا بِأَوراقِها ذابِلَةٌ تَقطُرُ دَماً كَماءِ اللَّحمِ ، فَقُلنا : قَد حَدَثَت حادِثَةٌ عَظيمَةٌ ، فَبِتنا لَيلَتَنا فَزِعينَ مَهمومينَ نَتَوَقَّعُ الحادِثَةَ ، فَلَمّا أظلَمَ اللَّيلُ عَلَينا سَمِعنا بُكاءً وعَويلاً مِن تَحتِ الأَرضِ ، وجَلبَةً شَديدَةً ورَجَّةً ، وسَمِعنا صَوتَ نائِحٍ يَقولُ :




أيَابنَ النَّبِيِّ ويَابنَ الوَصِيِ‏بَقِيَّةَ ساداتِنا الأَكرَمينا
وكَثُرَ الرَّنينُ وَالأَصواتُ ، فَلَم نَفهَم كَثيراً مِمّا كانوا يَقولونَ ، فَأَتانا بَعدَ ذلِكَ خَبَرُ قَتلِ الحُسَينِ عليه السلام ، ويَبِسَتِ الشَّجَرَةُ وجَفَّت ، وكَسَرَتهَا الأَرياحُ وَالأَمطارُ ، فَذَهَبَت ودَرَسَ أثَرُها .
قالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنصارِيُّ : فَلَقيتُ دِعبِلَ بنَ عَلِيٍّ الخُزاعِيَّ في مَدينَةِ الرَّسولِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَحَدَّثتُهُ بِهذَا الحَديثِ ، فَلَم يُنكِرهُ .۱

۱۳۵۳.الخرائج والجرائح : إنَّ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه وآله سارَ حَتّى‏ نَزَلَ خَيمَةَ اُمِّ مَعبَدٍ ، فَطَلَبوا عِندَها قِرىً‏۲ ، فَقالَت : ما يَحضُرُني شَي‏ءٌ . فَنَظَرَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله إلى‏ شاةٍ في ناحِيَةِ الخَيمَةِ قَد تَخَلَّفَت مِنَ الغَنَمِ لِضُرِّها ، فَقالَ : تَأذَنينَ في حَلبِها ؟ قالَت : نَعَم ، ولا خَيرَ فيها . فَمَسَحَ يَدَهُ عَلى‏ ظَهرِها ، فَصارَت أسمَنَ ما يَكونُ مِنَ الغَنَمِ ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلى‏ ضَرعِها ، فَأَرخَت ضَرعاً عَجيباً ، ودَرَّت لَبَناً كَثيراً .
فَقالَ : يا اُمَّ مَعبَدٍ ! هاتِي العُسَ‏۳ ، فَشَرِبوا جَميعاً حَتّى‏ رَووا .

1.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۲ ص ۹۸ ، بغية الطلب في تاريخ حلب : ج ۶ ص ۲۶۴۸ عن هند بنت النجود نحوه ؛ بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۲۳۳ ح ۱ .

2.القِرى‏ : الضيافة (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۴۷۵ «قري») .

3.العُسّ : القدح الكبير (النهاية : ج ۳ ص ۲۳۶ «عسس») .


الصّحيح من مقتل سيّد الشّهداء و أصحابه عليهم السّلام
972

۱۳۵۲.مقتل الحسين عليه السلام للخوارمي عن هند بنت الجون : نَزَلَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله بِخَيمَةِ خالَتي ، ومَعَهُ أصحابٌ لَهُ ، فَكانَ مِن أمرِهِ فِي الشّاةِ ما قَد عَرَفَهُ النّاسُ ، فَقالَ‏۱فِي الخَيمَةِ هُوَ وأصحابُهُ حَتّى‏ أبرَدَ ، وكانَ اليَومُ قائِظاً۲شَديداً حَرُّهُ .
فَلَمّا قامَ مِن رَقدَتِهِ دَعا بِماءٍ ، فَغَسَلَ يَدَيهِ ، فَأَنقاهُما ، ثُمَّ مَضمَضَ فاهُ ، ومَجَّهُ عَلى‏ عَوسَجَةٍ كانَت إلى‏ جَنبِ خَيمَةِ خالَتي ثَلاثَ مَرّاتٍ ... ثُمَّ قالَ : إنَّ لِهذِهِ العَوسَجَةِ شَأناً .
ثُمَّ فَعَلَ مَن كانَ مَعَهُ مِن أصحابِهِ مِثلَ ذلِكَ ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى‏ رَكعَتَينِ ، فَعَجِبتُ أنَا وفَتَياتُ الحَيِّ مِن ذلِكَ ، وما كانَ عَهدُنا بِالصَّلاةِ ، ولا رَأَينا مُصَلِّياً قَبلَهُ .
فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ أصبَحنا وقَد عَلَتِ العَوسَجَةُ ، حَتّى‏ صارَت كَأَعظَمِ دَوحَةٍ عالِيَةٍ وأبهى‏ ، وقَد خَضَدَ۳ اللَّهُ شَوكَها ، ووَشَجَت عُروقُها وكَثُرَت أفنانُها۴ ، وَاخضَرَّ ساقُها ووَرَقُها ، ثُمَّ أثمَرَت بَعدَ ذلِكَ ، فَأَينَعَت بِثَمَرٍ كانَ كَأَعظَمِ ما يَكونُ مِنَ الكَمأَةِ في لَونِ الوَرسِ المَسحوقِ ، ورائِحَةِ العَنبَرِ ، وطَعمِ الشَّهدِ .
وَاللَّهِ ، ما أكَلَ مِنها جائِعٌ إلّا شَبِعَ ، ولا ظَمآنُ إلّا رَوِيَ ، ولا سَقيمٌ إلّا بَرَأَ ، ولا ذوحاجَةٍ وفاقَةٍ إلَّا استَغنى‏ ، ولا أكَلَ مِن وَرَقِها بَعيرٌ ولا ناقَةٌ ولا شاةٌ إلّا سَمِنَت ، ودَرَّ لَبَنُها ، فَرَأَينَا النَّماءَ وَالبَرَكَةَ فِي أموالِنا مُنذُ يَومَ نَزَلَ صلى اللَّه عليه وآله ، وأخصَبَت بِلادُنا وأمرَعَت ، فَكُنّا نُسَمّي تِلكَ الشَّجَرَةَ المُبارَكَةَ ، وكانَ يَنتابُنا مَن حَولَنا مِن أهلِ البَوادي ، يَستَظِلّونَ بِها ، ويَتَزَوَّدونَ مِن وَرَقِها فِي الأَسفارِ ، ويَحمِلونَ مَعَهُم لِلأَرضِ القِفارِ ، فَيَقومُ لَهُم مَقامَ الطَّعامِ وَالشَّرابِ .
فَلَم تَزَل كَذلِكَ وعَلى‏ ذلِكَ حَتّى‏ أصبَحنا ذاتَ يَومٍ ، وقَد تَساقَطَ ثِمارُها ، وَاصفَرَّ وَرَقُها ، فَأَحزَنَنا ذلِكَ ، وفَزِعنا مِن ذلِكَ ، فَما كانَ إلّا قَليلٌ حَتّى‏ جاءَ نَعيُ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله ، فَإِذا هُوَ قَد قُبِضَ ذلِكَ اليَومَ .

1.القَيلولة : نومة نصف النهار ، قال يقيل (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۵۷۷ «قيل») .

2.القَيْظ : شدّة الحرّ ، والقَيظ : الفصل الذي يسمّيه الناس الصيف (المصباح المنير : ص ۵۲۱ «قيظ») .

3.الخضد : نزع الشوك عن الشجر (العين : ص ۲۲۸ «خضد») .

4.الفَنَن : الغصن ، جمعه أفنان (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۲۵۶ «فنن») .

تعداد بازدید : 1975708
صفحه از 1486
پرینت  ارسال به