131
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

المسلمين، اُردّ إلى المسلمين‏۱ وقد جئت مسلماً، ألا ترون ما قد لقيت، وكان قد عُذِّب عذاباً شديداً؟!۲
وقال الشيخ المذكور في كتاب إعلام الورى:
فجاء أبو جندل إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله حتّى جلس إلى جنبه، فقال أبوه سهيل: ردّه عليَّ، فقال المسلمون: لا نردّه، فقام صلى اللَّه عليه وآله وأخذ بيده فقال: «اللَّهُمَّ إن كنت تعلم أنّ أبا جندل لصادق فاجعل له فرجاً ومخرجاً!» ثمّ أقبل على الناس وقال: ليس عليه بأس إنّما يرجع إلى أبيه واُمّه، وأنّي اُريد أن أتمّ لقريش شرطها. ورجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المدينة، وأنزل اللَّه في الطريق سورة الفتح: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً»۳.
قال الصادق عليه السلام: «فما انقضت تلك المدّة حتّى كاد الإسلام يستولي على أهل مكّة، ولمّا رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى المدينة انفلت أبو بصير بن أسيد ابن جارية الثقفي من المشركين، وبعث الأخنس بن شريق في أثره رجلين، فقتل أحدهما وأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله مسلماً مهاجراً، فقال [له‏] مسعر بن حرب: لو كان معه أحد، ثمّ قال: شأنك بسلب صاحبك، واذهب حيث شئت، فخرج أبو بصير ومعه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين حتّى كانوا بين العيض وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش ممّا يلي سيف البحر، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو في سبعين [رجلاً] راكباً أسلموا، فلحق بأبي بصير، واجتمع إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة حتّى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون لا تمرّ بهم عير لقريش إلّا أخذوها وقتلوا أصحابها، فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يسألونه ويتضرّعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ومن معهم، فيقدّموا عليه وقالوا: من خرج منّا إليك فامسكه غير حرج أنت فيه، فعلم الذين كانوا أشاروا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضيّة أنّ طاعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله خيرٌ لهم فيما أحبّوا وفيما كرهوا،۴ انتهى.
وقال صاحب معارج النبوّة۵ : لمّا رجع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من منزل الحديبيّة إلى المدينة فرّ أبو بصير من مكّة - وكان أسلم - وأتى المدينة راجلاً في سبعة أيّام، فكتب أخنس بن شريق

1.في المصدر: «أ اُردّ إلى المشركين».

2.مجمع البيان، ج ۹، ص ۱۹۸.

3.الفتح (۴۸): ۱.

4.إعلام الورى، ج ۱، ص ۲۰۵ و ۲۰۶.

5.لم نعثر عليه.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
130

وفي بعض النسخ: «الستور» بالتاء المثنّاة الفوقانيّة، وهي جمع الستر، وهو ما يعلّق على الأبواب وغيرها.
(لقد كاد أن يستولي على أهل مكّة الإسلام) أي أهل الإسلام، أو قبول دين الإسلام.
والاستيلاء: الغلبة، والظفر. وهذا يدلّ على أنّ للإمام أن يعقد الصلح على ما رآه مصلحة لعامّة المسلمين، وأن يظهر تلك المصلحة في بادئ الرأي، وخفى سرّها للبعض وظنّوا احتمال المفسدة فيها.
وروي أنّه لمّا وقع الصلح اختلط الناس بعضهم ببعض، واختلفوا إلى المدينة، وسمعوا من المسلمين أحكام الدِّين، ووقفوا على حُسن سيرة سيّد المرسلين ومعجزاته وأعلام نبوّته، وعاينوا كثيراً من ذلك مشافهةً، وصار ذلك سبباً لميلهم إلى الإسلام، ودخلوا في دين اللَّه أفواجاً.۱(فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه).
يُقال: ضرب على يديه، أي أمسكه.
روي أنّ أبا جندل أسلم بمكّة، فحبسه أبوه سهيل، وكبّله وزجره ليرتدّ عن الإسلام.۲
وقال الشيخ الطبرسي رحمة اللَّه عليه في مجمع البيان:
فقال سهيل: على أنّه لا يأتيك منّا رجلٌ، وإن كان على دينك إلّا رددته إلينا، ومَن جاءنا ممّن معك لم نردّه عليك، فقال المسلمون: سبحان اللَّه، كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «من جاءهم منّا فأبعده اللَّه، ومَن جاءنا منهم رددناه إليهم، فلو علم اللَّه الإسلام من قلبه جعل له مخرجاً» - إلى أن قال: - فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكّة حتّى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمّد، أوّل ما اُقاضيك عليه أن تردّه، فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «إنّا لم نقض بالكتاب بعدُ». قال: واللَّه إذاً لا اُصالحك على شي‏ء! فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «فأجره لي» فقال: ما أنا بمجيره لك. قال: «بلى فافعل». قال: وما أنا بفاعل. قال مكرز: قد أجرناه. قال أبو جندل بن سهيل: معاشر

1.حكي عن بعض العلماء، ولم نجد حديثاً عن المعصوم عليه السلام. اُنظر: صحيح مسلم بشرح النووي، ج ۱۲، ص ۱۴۰.

2.راجع: المستدرك للحاكم، ج ۳، ص ۲۷۷؛ الاستيعاب، ج ۴، ص ۱۱۶۲۱، الرقم ۲۸۹۸؛ اُسد الغابة، ج ۵، ص ۱۶۰.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72202
صفحه از 568
پرینت  ارسال به