133
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

يناشدونه باللَّه والرحم أن يطلب أبا بصير وأصحابه إلى المدينة ويمنعهم من فعلهم، فجاء أبو سفيان وقال: يا رسول اللَّه، إنّ قريشاً قالوا: من خرج إليك منّا إليك فامسكه من غير حرج، وقد أقلنا هذا الشرط ولا نناقش فيه بعدُ، فكتب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى أبي بصير وأصحابه يدعوهم إلى المدينة، فبلغ مكتوبه صلى اللَّه عليه وآله إلى أبي بصير وهو في حالة السّياق يجود بنفسه، فلمّا رأى الكتاب أخذه ومسح به وجهه حتّى مات رحمة اللَّه عليه، فاشتغل أبو جندل ومن معه من المسلمين بتجهيزه وتكفينه ودفنه، فلمّا فرغوا توجّهوا إلى المدينة، وقيل نزل في تلك القضيّة قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ»۱ الآية.
(فقال: أوّل ما قضينا عليه).
في بعض النسخ: «أوّل ما قاضينا عليه»، أي هذا أوّل ما حكمنا وصالحنا عليه فيلزمكم ردّه إلينا.
(فقال رسول اللَّه: وهل قاضيت على شي‏ء؟).
الاستفهام للإنكار، ولعلّ المراد أنّه لم يتمّ الكتاب بَعدُ، ولم ينعقد عقد الصلح، فليس علينا أن نردّه. صرّح به كثيرٌ من أهل السِّير، ويفهم أيضاً ممّا نقلناه عن الشيخ الطبرسي رحمة اللَّه عليه.
وقيل: معناه: لم نحكم على كلّ شي‏ء حتّى يدخل فيه هذا.۲
وقيل: يعني ما قاضيت فيه على شي‏ء كيف وهو مسلم وهو عندنا وليس ممّن جاء إليكم مرتدّاً.۳
وقيل: الظاهر «إن قاضيت» على صيغة المتكلّم، أي هل نقضي لك شيئاً من المال ليكون هو عندنا إلّا أنّه عبّر عن المستقبل بصيغة الماضي للدلالة على ترقّب وقوعه، فلم يرض سهيل بن عمرو.۴
وقال الفاضل الإسترآبادي:
قصده صلى اللَّه عليه وآله أنّه ما قاضينا على شي‏ء نافع لك؛ فإنّه كان عالماً بأنّ أبا بصير بن أسيد

1.الفتح (۴۸): ۲۴.

2.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۴۴۷ و ۴۴۸.

3.ذهب إليه المحقّق الفيض رحمة اللَّه عليه في الوافي، ج ۲۶، ص ۳۷۵، ذيل ح ۲۵۴۶۸.

4.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۵۷.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
132

وأزهر بن عبد عوف إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بيد رجلين أحدهما من بني عامر والآخر اسمه كوثر، فقرأ اُبيّ بن كعب مكتوب المشركين على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله التمسوا فيه ردّ أبي بصير إلى مكّة بمقتضى صلح الحديبيّة، فسلّم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أبا بصير إلى الرسولين، فقال: يا رسول اللَّه، تردّني إلى المشركين ليفتنوني في ديني؟ فقال صلى اللَّه عليه وآله: «أنت تعلم إنّا عاهدنا قريشاً، وليس في ديننا غدراً ولا نقض عهد» وقال له: «اذهب سيجعل اللَّه لك ولمَن أسلم بمكّة فرجاً ومخرجاً.
فأخذاه وانطلقا إلى مكّة، فلمّا بلغوا إلى ذي الحليفة فنزلوا فيه ليستريحوا، فدخل أبو بصير مسجداً كان هناك وصلّى فيه ركعتين، ثمّ أخرج زاده الذي كان معه، فدعا صاحبيه إلى الطعام، فأبيا وقالا: لا حاجة لنا إلى طعامك، فقال أبو بصير بالرفق والملاطفة: لو كنتما دعوتماني إلى طعامكما؟! فأكلوا جميعاً واستأنسوا، فسأل أبو بصير عن العامري اسمه ونسبه، وقال له: إنّ سيفك يروق في عيني، فسلَّ العامري سيفه وقال: نعم إنّ سيفي حسن صارم وقد جرّبته مراراً، فقال أبو بصير: أرنيه حتّى أنظر، فناوله إيّاه فتناوله أبو بصير وقتل العامري بذلك السيف، فلمّا رأى كوثر أنّه قتله هرب منه إلى المدينة، وجاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وقال: إنّ صاحبي قد قتل وأنا أيضاً لا آمن منه، فبينا هو كذلك إذ جاء أبو بصير على إثره راكباً على فرس العامري، ودخل في مجلس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وقال: يا رسول اللَّه، إنّك قد وفيت بعهدك ولم تنقضه، وجعل اللَّه لي مخرجاً ونجّاني.
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «إنّ أبا بصير لبَطَلٌ لو كان معه أحد» وأشعر بذلك إلى فرار أبي بصير من المدينة، وأن يلحق به المسلمون المحصورون بمكّة، واشتغلوا بإيذاء المشركين، فتفطّن أبو بصير غرضه صلى اللَّه عليه وآله، فأقبل يهرب، ولم يقف في موضع حتّى بلغ منزل عيس بسيف البحر، فكتب طائفة من الصحابة إلى مسلمي أهل مكّة وأخبروهم بالواقعة وبما قال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في شأن أبي بصير، فلمّا سمع أبو جندل بن سهيل ذلك انفلت من المشركين، ولحق أبا بصير، ثمّ لحق بهما المسلمون واحداً بعد واحد حتّى اجتمع سبعون رجلاً منهم - وعلى رواية ثلاثمائة - فلمّا ذلك الموضع مختلف عير قريش وممرّها انتهزوا فرصة واشتغلوا بقتلها ونهب أموالها، وضيّقوا الأمر على المشركين، فأرسلوا سفيان بن حرب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72169
صفحه از 568
پرینت  ارسال به