يناشدونه باللَّه والرحم أن يطلب أبا بصير وأصحابه إلى المدينة ويمنعهم من فعلهم، فجاء أبو سفيان وقال: يا رسول اللَّه، إنّ قريشاً قالوا: من خرج إليك منّا إليك فامسكه من غير حرج، وقد أقلنا هذا الشرط ولا نناقش فيه بعدُ، فكتب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى أبي بصير وأصحابه يدعوهم إلى المدينة، فبلغ مكتوبه صلى اللَّه عليه وآله إلى أبي بصير وهو في حالة السّياق يجود بنفسه، فلمّا رأى الكتاب أخذه ومسح به وجهه حتّى مات رحمة اللَّه عليه، فاشتغل أبو جندل ومن معه من المسلمين بتجهيزه وتكفينه ودفنه، فلمّا فرغوا توجّهوا إلى المدينة، وقيل نزل في تلك القضيّة قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ»۱ الآية.
(فقال: أوّل ما قضينا عليه).
في بعض النسخ: «أوّل ما قاضينا عليه»، أي هذا أوّل ما حكمنا وصالحنا عليه فيلزمكم ردّه إلينا.
(فقال رسول اللَّه: وهل قاضيت على شيء؟).
الاستفهام للإنكار، ولعلّ المراد أنّه لم يتمّ الكتاب بَعدُ، ولم ينعقد عقد الصلح، فليس علينا أن نردّه. صرّح به كثيرٌ من أهل السِّير، ويفهم أيضاً ممّا نقلناه عن الشيخ الطبرسي رحمة اللَّه عليه.
وقيل: معناه: لم نحكم على كلّ شيء حتّى يدخل فيه هذا.۲
وقيل: يعني ما قاضيت فيه على شيء كيف وهو مسلم وهو عندنا وليس ممّن جاء إليكم مرتدّاً.۳
وقيل: الظاهر «إن قاضيت» على صيغة المتكلّم، أي هل نقضي لك شيئاً من المال ليكون هو عندنا إلّا أنّه عبّر عن المستقبل بصيغة الماضي للدلالة على ترقّب وقوعه، فلم يرض سهيل بن عمرو.۴
وقال الفاضل الإسترآبادي:
قصده صلى اللَّه عليه وآله أنّه ما قاضينا على شيء نافع لك؛ فإنّه كان عالماً بأنّ أبا بصير بن أسيد
1.الفتح (۴۸): ۲۴.
2.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۴۴۷ و ۴۴۸.
3.ذهب إليه المحقّق الفيض رحمة اللَّه عليه في الوافي، ج ۲۶، ص ۳۷۵، ذيل ح ۲۵۴۶۸.
4.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۵۷.