175
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

شرح‏

السند حسن.
قوله: (ترفّ بين السماء والأرض).
في بعض النسخ: «ترفرف» وهو أظهر.
قال الفيروزآبادي:
رفّ الطائر يُرفُّ ويَرِف: بسط جناحيه، كرفرف. والثلاثي غير مستعمل. والرفرفة: تحريك الظليم جناحيه حول الشي‏ء يريد أن يقع عليه.۱
أقول: في تشبيه الرؤيا بالتطيّر وترشيه بالرفرفة وبلزوم الأرض والقصّ لطائف، ومثله ما روي عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله: «لا يزال المنام طائراً حتّى يقصّ، فإذا قصّ وقع».۲(فلا تقصّوا رؤياكم إلّا على من يعقل).
قيل: المراد بالعاقل العالم بالتعبير القادر على الانتقال من الأصل إلى الفرع ومن الجلي إلى الخفي ومن الظاهر إلى الباطن، أو الأعمّ من ذلك، وذلك لئلّا يعبّرها [له‏] بما يحزنه، وقد تخرج الرؤيا على نحو ما تعبّر، كما تدلّ عليه الحديث السابق.
وبالجملة: الرؤيا تنقسم إلى ما هو حسن في الظاهر والباطن، وإلى ما هو مكروه فيهما، وإلى ما هو حسن في الظاهر ومكروه في الباطن، وإلى عكسه، والمعبِّر لابدّ أن يكون عاقلاً عالماً بطرق التعبير؛ إمّا بالتجربة، أو بالإلهام، أو بالسماع من أهل التجربة والإلهام.
وقال علماء التعبير: طرق التعبير أربعة:
الأوّل: الاشتقاق كاشتقاق العاقبة من رؤية العقبة، والرفعة من رؤية الرافع.
الثاني: ما يعبّر بمثاله في الشكل، أو في الصفة، مثل أن يعبّر الرطب بالدين لحلوّه في القلوب، ولأنّ الدِّين كمل بعد تدريج كما أنّ الرطب كمل بعد تدريج من الطلع إلى أن صار حلواً.
الثالث: تعبيره بالمعنى المقصود من ذلك الشي‏ء المرئي كدلالة فعل السوق على المعيشة، وفعل الدار على الزوجة والجارية.

1.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۱۴۶ (رفف).

2.نقله الطريحى رحمة اللَّه عليه في مجمع البحرين، ج ۴، ص ۴۹۶ (نوم) بدون الإسناد.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
174

العبارة أوّلاً، إن خيراً فخيراً وإن شرّاً فشرّاً، وهذا ينافي ما مرّ من أنّ أبا حنيفة عبّر رؤيا محمّد بن مسلم على خلاف ما هو في الواقع، ثمّ عبّرها أبو عبد اللَّه عليه السلام بما هو في الواقع، وقد وقع ما عبّره عليه السلام،۱ ولا يمكن الجمع بينهما بأنّ الرؤيا لأوّل عابرٍ إذا أصاب وجه العبارة، وإلّا فهي لمن أصابها بعده، بل الجمع بينهما أنّ ذلك محمول على الإيجاب الجزئي؛ إذ قد يؤثّر التعبير في النفس قبضاً أو انبساطاً من باب التطيّر أو التفاؤل، فيؤثّر لأجل ذلك كما قال نظير ذلك [في المسحور] من قال السحر لا حقيقة له، وقد ورد في بعض الروايات أنّ الطيرة لا أثر لها،۲ مع أنّه ورد في بعضها كيفيّة الاستعاذة منها؛ ليتخلّص من شرّها من يجد في نفسه منها شيئاً.۳
وبالجملة: لأمثال ذلك قد يكون تأثيراً في النفوس، وقد لا يكون، لا يقال: الرؤيا لا تغيّرها عبارة عابر، وكيف يغيّر ما جاءت نسخته من اللّوح المحفوظ بفعل أحد، أو قوله: لأنّا نقول ذلك ممنوع؛ إذ يمحو اللَّه ما يشاء ويثبت.
وبالجملة: تغييرها مثل البلايا والأمراض ونحوهما بالدّعاء والصّدقة، فإن قلت: قد سمعت هذه المرأة تعبير رؤياها من النبيّ صلى اللَّه عليه وآله مرّتين، فلِمَ قصّت على رجل أعسر؟ قلت: بعثها ذلك طلب السرور والشغف؛ لظنّها أنّ ذلك الرجل يعبّر لها كما عبّر لها النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، أو اعتقدت أنّ الرؤيا الواحدة قد يختلف تعبيرها بحسب الأوقات المختلفة، أو كان قصدها مجرّد الإخبار دون الاستعبار.۴

متن الحديث الثامن والعشرين والخمسمائة

۰.عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ :
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام :
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تُرِفُّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلى‏ رَأْسِ صَاحِبِهَا حَتّى‏ يُعَبِّرَهَا لِنَفْسِهِ ، أَوْ يُعَبِّرَهَا لَهُ مِثْلُهُ ، فَإِذَا عُبِّرَتْ لَزِمَتِ الْأَرْضَ ، فَلَا تَقُصُّوا رُؤْيَاكُمْ إِلَّا عَلى‏ مَنْ يَعْقِلُ» .

1.الكافي، ج ۸، ص ۲۹۲، ح ۴۴۷.

2.الكافي، ج ۸، ص ۱۹۶، ح ۲۳۴؛ دعائم الإسلام، ج ۲، ص ۱۴۱، ح ۴۹۵.

3.راجع: مكارم الأخلاق، ص ۳۵۰.

4.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۷۶ مع اختلاف في اللفظ.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72045
صفحه از 568
پرینت  ارسال به