207
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

(قال: ثمّ قال: ما فعل ابن قياما).
هو الحسين بن قياما، واقفيّ خبيث، ولعلّ السؤال عن كيفيّة خلطته مع الشيعة وطهور ملاقاته إيّاهم بقرينة الجواب.
وقيل: قوله: (إنّه ليلقانا فيحسن اللِّقاء) محمول على التهكّم، كأنّه إذا قال: رآنا يتهكّم بنا ويستهزئ. ويحتمل أن يكون محمولاً على ظاهره، ويكون غرضه عليه السلام من قوله: (وأيّ شي‏ء يمنعه من ذلك) الإيماء بنفاقه؛ فإنّ المنافقين يكونون في حالة الملاقاة مع المؤمنين في غاية الملاطفة، أي أنّه يفعل هذا لينتفع منكم ولا يتضرّر بكم.
وقيل: معناه: أيّ شي‏ء يمنعه من ذلك الأمر والإقرار بالإمام بعد موسى بن جعفر عليهما السلام.۱
ثمّ استشهد عليه السلام لحاله بما ذكره اللَّه تعالى في شأن المنافقين إمّا بتشبيه حاله بحالهم، أو لاندراجه فيهم، وتلا هذه الآية في سورة التوبة: «لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ». الضمير للّذين اتّخذوا مسجداً ضراراً، أو لمن أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هار، والحال واحد.
«الَّذِي بَنَوْا».
قال البيضاوي:
أي بناؤهم الذي بنوه، والبنيان مصدر اُريد به المفعول، وليس بجمع، ولذلك تدخله التاء ووصف بالمفرد، وأخبر عنه بقوله: «رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ» أي شكّاً ونفاقاً. والمعنى: أنّ بناءهم هذا لا يزال سبب شكّهم وتزائد نفاقهم؛ فإنّه حملهم على ذلك، ثمّ لمّا هدمه الرسول صلى اللَّه عليه وآله رسخ ذلك في قلوبهم، وازداد بحيث لا يزول وَسْمُه عن قلوبهم.
«إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ» قطعاً بحيث لا يبقى لها قابليّة الإدراك والإضمار، وهو في غاية المبالغة والاستثناء من أعمّ الأزمنة.
وقيل: المراد بالتقطّع ما هو كائن بالقتل، أو في القبر، أو في النار. وقيل: التقطّع بالتوبة نَدَماً وأسَفَاً.۲
وقال الشيخ الطبرسي رحمة اللَّه عليه:
أي لا يزال بناء المبنيّ الذي بنوه شكّاً في قلوبهم فيما كان من إظهار إسلامهم وثباتاً

1.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۹۳.

2.تفسير البيضاوي، ج ۳، ص ۱۷۴.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
206

وفي بعض النسخ بصيغة الغيبة. وقيل: هو حينئذٍ خبر للموصول،۱ وفيه تأمّل.
وقوله: (إنّ اللَّه - عزّ وجلّ - يقول:«لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ») تعليل للأمر بالشكر.
وقوله: (وقال سبحانه وتعالى:«اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً») الآية، تعليل آخر له.
و«آل داود» منادى بتقدير حرف النداء. وقال البيضاوي:
«شكراً» نصب على العلّة، أي اعملوا له، واعبدوه شكراً، أو المصدر؛ لأنّ العمل له شكراً، والوصف، أو الحال، أو المفعول به.
«وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ» أي المتوفّر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته، ومع ذلك لا يوفّى حقّه؛ لأنّ توفيقه للشكر نعمة تستدعي شكراً آخر لا إلى نهاية، ولذلك قيل: الشكور من يرى عجزه عن الشكر.۲
وقوله: (وكان اللَّه عند ظنّه به) أي يعامل معه على طبق ظنّه به وبحسبه.
(ومن رضى بالقليل من الرزق قبل اللَّه منه اليسير من العمل).
قيل: هذا من حسن المعاملة بين العبد والرّبّ؛ لأنّ الرزق حقّ العبد على اللَّه، والعمل حقّ اللَّه على العبد، فحسن المعاملة يقتضي قبول اليسير مع القليل.۳(ومَن رضى باليسير من الحلال خفّت مؤونته).
الظاهر أنّ المراد باليسير من الحلال قدر الكفاف منه، ولا شكّ أنّ الاكتفاء به وترك طلب الزيادة يوجب خفّة المؤونة في الدُّنيا والآخرة.
(وتنعّم أهله)؛ فإنّ الكفاف كاف في التنعّم والترفّه وخصب العيش.
(وبصّره اللَّه داء الدُّنيا ودواءها).
التبصير: التعريف، والإيضاح. والدواء - بالمدّ، مثلّثة الفاء - : ما يداوى به.
وقيل: المراد بداء الدُّنيا كلّ ما يمنعه من السّير إلى اللَّه، والميل إلى الآخرة، والعمل لها كالغضب والحسد والبغي وغيرها من أنواع المعاصي، وبدوائها كلّ ما يدفع به تلك الأمراض من الكمالات النفسانيّة والعقائد الحقّة والأعمال الصالحة.۴

1.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۵۰۹.

2.تفسير البيضاوي، ج ۴، ص ۳۹۴.

3.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۹۳.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72177
صفحه از 568
پرینت  ارسال به