(وإنّما أحدث عليّ الكفر بعد تحكيمه الحكمين).
يُقال: حكمته في مالي تحكيماً: إذا جعلت إليه الحكم فيه. وغرضه - لعنه اللَّه - أنّ الحكم في الإمامة إنّما هو للَّه تعالى، فجعْلَهُ للخلق كفرٌ.
واُجيب: بأنّه عليه السلام لم يرض بالتحكيم، بل حرّضهم على القتال حتّى رجعوا عنه، وأجبروه على قبوله، فتقبّله كرهاً بشرط أن لا يتجاوز من إليه الحكم عن كتاب اللَّه وسنّة نبيّه صلى اللَّه عليه وآله.۱
وقوله: (كرّاراً).
في القاموس: «الكرّة: الحملة».۲
وقوله عليه السلام: (ثكلتك اُمّك).
قال الفيروزآبادي: «الثكل - بالضمّ - : الموت، والهلاك، وفقدان الحبيب أو الولد، ويحرّك. وقد ثكله كفرح».۳
وكلمة «على» في قوله: (على أن يعمل بطاعته) تعليليّة، كما قيل في قوله تعالى: «وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ»۴.
والحاصل: أنّه تعالى إنّما يحبّ من يعمل بطاعته لأجل هذا العمل، فكيف يجوز أن يحبّ من يعلم أنّه على زعمك الفاسد سيكفر ويحبط جميع أعماله؟!
وفي بعض النسخ بعد قوله: «فقال علي أن يعمل بطاعته هكذا»: «قال ابن نافع: أعِدْ عَلَيَّ، فقال له أبو جعفر عليه السلام: أخبرني عن قول اللَّه تعالى أحبّ عليّاً يوم أحبّه وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم» وليس هذا في أكثر النسخ.
(فقال أبو جعفر عليه السلام: فقم مخصوماً) أي مغلوباً بالخصومة.
وقيل: وجه كونه مخصوماً أنّه إذا سلّم أنّه تعالى أحبّه وهو يعلم أنّه عليه السلام يقتل أهل النهرون، وسلّم أنّ سبب محبّته إنّما هو أن يعمل بطاعته، لزمه الإقرار بأنّ قتل أهل النهروان طاعة لا معصية، وإلّا لزم وجود المسبّب بدون السبب، وهو باطل.
لا يُقال: إنّه تعالى يحبّ عبده العاصي، لأنّا نقول: لا يرد هذا بعد الاعتراف بأنّ سبب
1.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۹۷ مع اختلاف في اللفظ.
2.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۲۶ (كرر) مع التلخيص.
3.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۳۴۳ (ثكل).
4.البقرة (۲): ۱۸۵.