231
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

الإنصاف به، لاستلزامه فوات بعض أغراضهم ومقاصدهم المرغوبة عندهم.
(لا يجري) يعني الحقّ (لأحد إلّا جرى ذلك) الحقّ (عليه) أي على ذلك الأحد.
ولعلّ هذه الفقرة مع بعض الفقرات التالية لها تأكيد لقوله: «فقد جعل اللَّه تعالى لي عليكم حقّاً» بأنّ سنّة اللَّه جارية على أنّ مَن له حقّاً على الغير كان لذلك الغير أيضاً حقٌّ عليه.
والضمائر البارزة والمستترة في قوله: (ولا يجري عليه إلّا جرى به)۱ على سياق السابق.
وفي بعض النسخ: «له» بدل «به» وهو أظهر.
وقيل: الحصر الأوّل إشارة إلى أنّ كون الحقّ لأحد لا يفارق من كونه عليه تقريراً للحقّ وتوطيناً لنفوس السامعين على الوفاء به؛ إذ كما يجب لذلك الأحد أن لا يترك حقّهم كذلك يجب عليهم أن لا يتركوا حقّه، والحصر الثاني إشارة إلى عكس الأوّل تسكيناً لنفوسهم بذكر الحقّ لهم، فأفاد بالحصرين التلازم بين الحقّين.
ثمّ احتجّ لإثبات الحصرين بقياس استثنائي متّصلة استثنى نقيض التالي؛ لينتجّ نقيض المقدّم، فقوله عليه السلام: (لو كان لأحد أن يجري ذلك) أي الحقّ (له، ولايجرى عليه لكان ذلك للَّه - عزّ وجلّ - خالصاً دون خلقه) إشارة إلى القياس المذكور.
ووجه خلوصه له تعالى دون خلقه أنّ الخلق لعجزهم يحتاج كلّ منهم إلى آخر، فلا محالة إذا كان لأحدهم حقّ على الغير كان لذلك الغير أيضاً حقٌّ عليه.۲
وقوله: (لقدرته على عباده [ولعدله‏] في كلّ ما جرت عليه ضروب قضائه) إشارة إلى بيان الملازمة. وضروب قضائه أنواعه المتغيّرة المتوالية، وقضاؤه حكمه.
وفي بعض النسخ: «صروف قضائه» والمآل واحد، أي لكونه قادراً على عباده بإبقائهم وإفنائهم، وعلى الانتصاف منهم، وأخذ حقّه عنهم «لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»۳، مع أنّه لا حقّ للعباد عليه تعالى لعدله فيهم في كلّ ما جرت به مقاديره التي هي ضروب قضائه مثل الغنى والفقر والصحّة والمرض والعافية والابتلاء وأمثالها؛ فإنّ القضاء بجميع ذلك

1.في المتن الذي ضبطه الشارح رحمة اللَّه عليه سابقاً: «له».

2.القائل هو المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۰۵.

3.الأنبياء (۲۱): ۲۳.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
230

والجملة عطف على الولاية، أي ولأنّه تعالى أنزلني منزلة عظيمة هي منزلة الإمارة والإمامة ووجوب الطاعة.
(ولكم عليَّ من الحقّ مثل الذي لي عليكم).
قيل: المراد بالمثل المماثلة في جنس الحقّ وإن كان الحقّان متغايران في النوع؛ لأنّ حقّنا عليه الإرشاد والأمر، وحقّه علينا الطاعة والانقياد مثلاً.۱(والحقّ أجمل الأشياء في التراصف) أي في النضد والالتيام، أو إحكام الاُمور وإتقانها.
قال الجوهري: «تراصف القوم في الصف، أي قام بعضهم إلى لزق بعض».۲
وقال في النهاية: «الرّصف: الشدّ والضم. والرصافة: الرفق في الاُمور. والتراصف: تنضيد الحجارة التي يرصف بعضها إلى بعض في مسيل فيجتمع فيها ماء المطر».۳
وفي بعض النسخ: «التواصف» بالواو. وقيل: أي وصفه حسن، وذكره جميل.۴
وقيل: أي في أن يصفه بعضهم لبعض، ويذكر كلّ واحد للآخر نعته ليرغب فيه.۵ قال الفيروزآبادي: «تواصفوا الشي‏ء: وصفه بعضهم لبعض».۶(وأوسعها للتناصف).۷
في القاموس: «تناصفوا: أنصف بعضهم بعضاً».۸
ولعلّ المراد أنّه إذا أنصف الناس بعضهم لبعض كانوا في فسحة وسعة في أمر الدِّين والدُّنيا، ولا يقعون في العمل بالإنصاف في مضيق؛ لأنّ الإنصاف حقّ، والحقّ أوسع الأشياء وأسبغها.
وفي نهج البلاغة: «والحقّ أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف»۹ أي إذا أخذ الناس في وصف الحقّ وبيانه كان لهم في ذلك مجال واسع؛ لسهولته على ألسنتهم، وإذا حضر التناصف بينهم فطلب منهم ضاق عليهم المجال؛ لشدّة العمل بالحقّ وصعوبة

1.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۵۱۷.

2.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۰۴ مع اختلاف يسير في اللفظ.

3.الصحاح، ج ۴، ص ۱۳۶۵ (رصف).

4.النهاية، ج ۲، ص ۲۲۷ و ۲۲۸ (رصف) مع التلخيص.

5.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۰۴.

6.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۲۰۴ (وصف).

7.في المتن الذي ضبطه الشارح رحمة اللَّه عليه سابقاً: «فى التناصف».

8.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۲۰۰ (نصف).

9.نهج البلاغة، ج ۲، ص ۱۹۸، الخطبة ۲۱۶.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 94217
صفحه از 568
پرینت  ارسال به