مستوجب، وحينئذٍ يتعيّن إرجاع ضمير «هو» إليه تعالى، وضمير «له» إلى الموصول. وفي هذا الكلام إشعار بأنّ ما جعله اللَّه سبحانه لهم من حسن الثواب ليس حقّاً واجباً عليه تعالى، بل محض تفضّل منه وتوسعة عليهم بما هو أهله من مزيد النِّعم، ليقابلوا ذلك التفضّل بمزيد الشكر، وليتأدّبوا بآداب اللَّه، ويتخلّقوا بأخلاقه في أداء ما وجب عليهم من حقّ الغير، ولو لم يكن لذلك الغير حقٌّ عليه.
(ثمّ جعل من حقوقه حقوقاً فرضها لبعض الناس على بعض).
في بعض النسخ: «فأفرضها» بدل «فرضها».
قال الفيروزآبادي: «أفرضه: أعطاه. وله: جعل له فريضة، كفرض له فرضاً».۱ وهذا كالمقدّمة لما يريد أن يبيّنه من كون حقّه عليهم واجباً من قِبل اللَّه تعالى، وهو حقٌّ من حقوقه، ليكون أدعى لهم على أدائه، وبيّن أنّ حقوق الخلق بعضهم على بعض هي من حقوق اللَّه تعالى، من حيث إنّ حقّه على عباده هو الطاعة، وأداء تلك الحقوق طاعة للَّه تعالى، كحقّ الوالد على ولده وبالعكس، وحقّ الزوج على الزوجة وبالعكس، وحقّ الوالي على الرعيّة وبالعكس.
(فجعلها تتكافى في وجوهها).
قال الجوهري: «التكافؤ: الاستواء. يُقال: المسلمون تتكافأ دماؤهم، وكلّ شيء ساوى شيئاً حتّى يكون مثله فهو مكافئ له»۲ أي جعل الحقوق التي فرضها لبعض الناس على بعض يتساوى في وجوهها، بأن جعل كلّ وجه من تلك الحقوق مقابلاً بمثله؛ فحقّ الوالي هو الطاعة من الرعيّة، مقابل بمثله منه وهو العدل فيهم وحسن السيرة.
(ويوجب بعضها بعضاً).
هذا كالتأكيد لسابقه.
وكذا قوله: (ولا يستوجب بعضها إلّا ببعض).
يُقال: استوجبه، أي استحقّه؛ يعني لا يتحقّق كلّ من الحقّين، ولا يستحقّ الوجوب إلّا بأن يتحقّق الآخر في مقابله، كما أنّ الوالي إذا لم يعدل لم يستحقّ الطاعة.