233
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

مستوجب، وحينئذٍ يتعيّن إرجاع ضمير «هو» إليه تعالى، وضمير «له» إلى الموصول. وفي هذا الكلام إشعار بأنّ ما جعله اللَّه سبحانه لهم من حسن الثواب ليس حقّاً واجباً عليه تعالى، بل محض تفضّل منه وتوسعة عليهم بما هو أهله من مزيد النِّعم، ليقابلوا ذلك التفضّل بمزيد الشكر، وليتأدّبوا بآداب اللَّه، ويتخلّقوا بأخلاقه في أداء ما وجب عليهم من حقّ الغير، ولو لم يكن لذلك الغير حقٌّ عليه.
(ثمّ جعل من حقوقه حقوقاً فرضها لبعض الناس على بعض).
في بعض النسخ: «فأفرضها» بدل «فرضها».
قال الفيروزآبادي: «أفرضه: أعطاه. وله: جعل له فريضة، كفرض له فرضاً».۱ وهذا كالمقدّمة لما يريد أن يبيّنه من كون حقّه عليهم واجباً من قِبل اللَّه تعالى، وهو حقٌّ من حقوقه، ليكون أدعى لهم على أدائه، وبيّن أنّ حقوق الخلق بعضهم على بعض هي من حقوق اللَّه تعالى، من حيث إنّ حقّه على عباده هو الطاعة، وأداء تلك الحقوق طاعة للَّه تعالى، كحقّ الوالد على ولده وبالعكس، وحقّ الزوج على الزوجة وبالعكس، وحقّ الوالي على الرعيّة وبالعكس.
(فجعلها تتكافى في وجوهها).
قال الجوهري: «التكافؤ: الاستواء. يُقال: المسلمون تتكافأ دماؤهم، وكلّ شي‏ء ساوى شيئاً حتّى يكون مثله فهو مكافئ له»۲ أي جعل الحقوق التي فرضها لبعض الناس على بعض يتساوى في وجوهها، بأن جعل كلّ وجه من تلك الحقوق مقابلاً بمثله؛ فحقّ الوالي هو الطاعة من الرعيّة، مقابل بمثله منه وهو العدل فيهم وحسن السيرة.
(ويوجب بعضها بعضاً).
هذا كالتأكيد لسابقه.
وكذا قوله: (ولا يستوجب بعضها إلّا ببعض).
يُقال: استوجبه، أي استحقّه؛ يعني لا يتحقّق كلّ من الحقّين، ولا يستحقّ الوجوب إلّا بأن يتحقّق الآخر في مقابله، كما أنّ الوالي إذا لم يعدل لم يستحقّ الطاعة.

1.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۳۴۰ (فرض).

2.الصحاح، ج ۱، ص ۶۸ (كفأ) مع التلخيص والتقديم والتأخير في العبارة.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
232

مصلحة وحقّ عليهم، وليس لهم في مقابله حقٌّ عليه.
وقوله: (ولكن جعل حقّه على العباد أن يطيعوه) إلى قوله: (أهلاً) إشارة إلى استثناء نقيض التالي باستثناء ملزومه، و«جعلت»۱ على البناء للمفعول.
وفي بعض النسخ: «وجعل» وهو أظهر، والمستتر فيه عائد إلى اللَّه.
(كفّارتهم عليه) أي على نفسه تعالى، أو على حقّه على العباد.
ولعلّ المراد بالكفّارة جزاء الطاعة سمّاه كفّارة لكفره وستره ثقل عملهم حيث لم يكن له في جنبه قدر، فكأنّه قد محاه وستره. ويؤيّده ما وقع في نهج البلاغة من قوله: «وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب».۲
ويظهر منه أنّ المراد بقوله: (بحسن الثواب) الثواب الكامل المضاعف.
الباء للتضعيف، فإنّ ما جعل جزاءهم بعض من حسن الثواب. ويحتمل كونها زائدة، ويؤيّده ما في بعض النسخ: «حسن الثواب» بدون الباء، وما نقلناه من النهج أيضاً. ويحتمل كونها للمصاحبة، بأن يُراد بالكفّارة ما يكفّر سيّئاتهم كالتوبة وسائر الكفّارات، أي أوجب على نفسه قبول كفّارتهم وتوبتهم مع حسن الثواب.
وحاصل الاستثناء أنّه تعالى جعل لنفسه على عباده حقّاً هو طاعتهم له، وجعل على نفسه لهم حقّاً هو جزاء طاعتهم له، فقد ثبت أنّ ذلك لم يخلص للَّه تعالى أيضاً، بل كما أوجب على عباده حقّاً له أوجب لهم على نفسه بذلك حقّاً، فإذن لا يجري لأحد حقّ إلّا جرى عليه، وهو نقيض المقدّم.
وقوله: (تفضّلاً منه) تعليل لقوله: «وجعل كفّارتهم» إلى آخره.
(وتوسّعاً بما هو من المزيد له أهلاً).
ضمير «هو» مبتدأ راجع إلى الموصول، و«له» خبره، وضميره راجع إلى اللَّه، واحتمال العكس بعيد.
وكلمة «من» بيان للموصول، و«أهلاً» نصب على التمييز، أو الحال.
وفي بعض النسخ «أهل» بالرفع على أنّه خبر المبتدأ، و«له» متعلّق به؛ لأنّه بمعنى

1.نهج البلاغة، ج ۲، ص ۱۹۸، الخطبة ۲۱۶.

2.في المتن الذي ضبطه الشارح رحمة اللَّه عليه سابقاً: «جعل».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 94147
صفحه از 568
پرینت  ارسال به