وفي نهج البلاغة: «وليس امرئ وإن عظمت في الحقّ منزلته، وتقدّمت في الدِّين فضيلته، بفوق أن يعان على ما حمّله اللَّه من حقّه، ولا امرىٍ وإن صغّرته النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك، أو يُعان عليه» انتهى.۱
ثمّ إنّه عليه السلام أشار إلى كلّ من كانت النعمة عليه أعظم فاحتياجه في ذلك أكثر؛ لأنّ الحقوق عليه أوفر؛ لازدياد الحقوق بحسب ازدياد النِّعم، فقال: (وأهل الفضيلة في الحال وأهل النِّعم العظام أكثر في ذلك) أي في الاحتياج إلى الإعانة والاستعانة في أداء الحقوق.
وفي بعض النسخ من ذلك فلعلّ كلمة من للصلة أو للتفضيل.
و«ذلك» إشارة إلى أهل الحقارة.
وقوله: (حاجة) نصب على التميز عن النسبة في أكثر.
وقيل: المراد بأهل الفضيلة الأئمّة والولاة والاُمراء والعلماء، وكذا أهل النعم العظام؛ فإنّهم لكونهم مكلّفين بعظائم الاُمور كالجهاد في سبيل اللَّه وإقامة الحدود والشرائع والأحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهم إلى إعانة الخلق أحوج.۲
وقيل: لعلّ المراد بأهل الفضيلة العلماء المروّجون للحقّ؛ فإنّهم يحتاجون فيما حمّل عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أعوان، ولا أقلّ إلى من يؤمر وينهى. والمراد بأهل النعم العظام أصحاب النعم والأموال والأحوال من الأغنياء والأقوياء؛ لأنّ ما حمّل عليهم من الحقوق أكثر كأداء الخمس والزكاة، فهم يحتاجون إلى الفقير القابل لها، وإلى الشهود، وإلى غير ذلك،۳ انتهى.
وما قلناه أوّلاً من أنّ المراد بهم أهل الشرف مطلقاً أظهر.
وبالجملة: الناس أصناف ثلاثة: إمّا وال، أو رعيّة، والرعيّة فيهم أقوياء وضعفاء، والكلّ يحتاج إلى إقامة حقّه تعالى وفي الامتثال به إلى الإعانة والاستعانة، وإن كانت مراتب الاحتياج متفاوتة.
(وكلّ) من الأصناف (في الحاجة إلى اللَّه - عزّ وجلّ - شرعٌ سواء).
يُقال: الناس في هذا شرع - بالتحريك، والتسكين - أي سواء، فوصفه به للبيان والتأكيد.
1.نهج البلاغة، ج ۲، ص ۲۰۰، الخطبة ۲۱۶.
2.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۵۲۲.
3.القائل أيضاً هو العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۵۲۳.