253
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

«أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ»۱ أي إخراجي نفسي من أن أبقى وأترحّم مداهنة (في حقوق لم أفرغ من أدائها).۲
قال الفيروزآبادي: ««أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ» أي إبقاء أو فهم. وأبقيت ما بيننا: لم أبالغ في إفساده. والاسم: «البقيّة».۳(فلا تكلّموني بما تكلّم به) على البناء للمفعول من باب التفعيل.
(الجبابرة) جمع جبّار، وهو المتكبّر الذي لا يرى لأحدٍ عليه حقّاً، وكلّ عاتٍ، والقتال في غير حقّ.
أي لا تثنوا عليَّ كما تثني على أهل الجبروت من الملوك خوفاً من سطوتهم.
(ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة).
التحفّظ: الاحتراز، والاحتياط.
والبادرة: ما يبدو من الحدّة في الغضب من قولٍ أو فعلٍ. يُقال: أخشى بادرته وبدر منه بوادر، أي غضب.
ولعلّ المراد: ولا تحتشموا منّي كما تحتشم من السلاطين والاُمراء من أهل الجور، كترك المسارّة والحديث إجلالاً وخوفاً، وترك مشاورتهم، أو إعلامهم ببعض الاُمور، وعرض الأحوال عليهم، وترك الانبساط معهم، والقيام بين أيديهم، إلى غير ذلك.
قيل: إنّما نهى عنه؛ لأنّه يوجب عُجب النفس وكبرها، ولأنّه يفوت به كثير من المصالح الدينيّة والدنيويّة.۴(ولا تخالطوني بالمصانعة).
في القاموس: «المصانعة: الرشوة، والمداراة، والمداهنة».۵
ولعلّ المراد: لا تداهنوني بالمدح والإطراء وأمثالهما كما يداهن به كثيرٌ من الاُمراء والولاة الذين يستفزّهم المدح ويستخفّهم الإطراء، فيغمضون عن كثيرٍ من الحقوق مكافأة للمادح لما صنع من التزكية وإن كان نفاقاً.

1.هود (۱۱): ۱۱۶.

2.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۵۲۷.

3.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۰۴ (بقي) مع اختلاف في اللفظ.

4.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۱۱ مع اختلاف في اللفظ.

5.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۵۳ (صنع).


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
252

(بعد البلاء) أي الفعل الحسن الجميل.
وأصل البلاء: الامتحان، والاختيار. قال ابن ميثم:
هذا يجري مجرى تمهيد العذر لمن أثنى عليه، فكأنّه يقول: وأنت معذور في ذلك حيث رأيتني اُجاهد في اللَّه وأحثّ الناس على ذلك، ومن عادة الناس أن يستحلّوا الثناء عند أن يبلوا بلاءً حسناً في جهادٍ أو غيره من سائر الطاعات.
ثمّ أجاب عن هذا العذر في نفسه بقوله: (فلا تثنوا عليَّ بجميل ثناء) أي لا تثنوا عليَّ لأجل ما ترونه منّي من طاعة اللَّه؛ فإنّ ذلك إنّما هو (لإخراجي نفسي إلى اللَّه)أي إخراجٌ لنفسي إليه تعالى من حقوقه الباقية عليّ.
(لم أفرغ) بعد (من أدائها) وهي حقوق نعمه وفرائضه التي لابدّ من المضيّ فيها.
وكذلك إليكم من الحقوق التي أوجب اللَّه عليّ من النصيحة في الدِّين والإرشاد إلى الطريق الأفضل والتعليم لكيفيّة سلوكه.
وفي خطّ الرضيّ رحمة اللَّه عليه: «من التقيّة» بالتاء، والمعنى: فإنّ الذي أفعله من طاعة اللَّه إنّما هو إخراجٌ لنفسي إلى اللَّه وإليكم من تقيّة الخلق فيما يجب عليَّ من الحقوق، إذ كان عليه السلام إنّما يعبد اللَّه للَّه غير ملتفت في شي‏ء من عبادته وأداء واجب حقّه إلى أحدٍ سواه خوفاً منه أو رغبةً إليه، وكأنّه قال: لم أفعل شيئاً إلّا وهو ذا حقّ واجب عليَّ. فإذا كان كذلك، فكيف أستحقّ أن يُثنى عليَّ لأجل إتيان الواجب بثناء جميل واُقابل بهذا التعظيم؟! وهذا من باب التواضع منه وتعليم كيفيّته و كسر للنفس عن محبّة الباطل والميل إليه، انتهى.۱
وقال ابن أبي الحديد:
معنى قوله عليه السلام: «لإخراجي نفسي إلى اللَّه وإليكم» أي لاعترافي بين يدي اللَّه وبمحضر منكم أنّ عليَّ حقوقاً في إيالتكم ورياستي عليكم لم أقِم بها بعدُ، وأرجو من اللَّه القيام بها، انتهى.۲
وقال بعض الأفاضل بعد نقل كلام ابن أبي الحديد:
كأنّه جعل قوله: «لإخراجي» تعليلاً لترك الثناء، لا مثنيّاً عليه. ولا يخفى بُعده - ثمّ قال: - اعلم أنّه يحتمل أن يكون المراد بالبقيّة الإبقاء والترحّم كما قال [اللَّه‏] تعالى:

1.شرح نهج البلاغة لابن ميثم، ج ۴، ص ۴۶ و ۴۷، ذيل الخطبة ۲۰۷.

2.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۱۱، ص ۱۰۷، ذيل الخطبة ۲۱۰.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 93324
صفحه از 568
پرینت  ارسال به