يكفي اللَّه من نفسي) أي يعصمني ويدفع عنّي.
(ما هو أملك به منّي) أي أقدر على دفعه.
والموصول عبارة عن خطيئات النفس وشرورها، وهذا نظير قول يوسف عليه السلام: «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي»1، وفيه إشارة إلى إسناد عصمته إلى اللَّه تعالى.
وفي النهج: «إلّا أن يكفي اللَّه»2 إلى آخره، وهو أظهر. يُقال: كفاه مؤونته.
ثمّ أشار عليه السلام إلى سبب كونه تعالى أملك وأقدر بقوله: (فإنّما أنا وأنتم) إلى قوله: (بعد العمى) .
وفيه ترغيب للتمسّك بذيل ربوبيّته للارتقاء من حضيص النقص إلى أوج الكمال.
وقوله عليه السلام: (وأخرجنا) أي بإرسال الرسل وإنزال الكتب (ممّا كنّا فيه) من الجهالة وعدم العلم والمعرفة (إلى ما صَلحنا عليه) بسكون الحاء.
والصلاح: ضدّ الفساد. صلح كمنع وكرم، وتعديته ب «على» بتضمين مثل معنى الورود. والموصول عبارة عن شرف الكمال والعلم والإيمان والهداية.
(فأبدلنا بعد الضلالة) عن طريق الهدى وسبيل الحقّ (بالهدى) إليه (وأعطانا البصيرة) القلبيّة التي بها يدرك الحقّ وتميّز بينه وبين الباطل (بعد العمى) أي عمى القلب عن إدراك الحقّ؛ إذ الجهالة والضلالة كانت فاشية في أهل الأرض قبل بعثة نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله، وفيه حثّ على أداء شكر تلك النعمة العظيمة.
قال ابن أبي الحديد:
[ليس] هذا إشارة إلى خاصّ نفسه عليه السلام؛ لأنّه لم يكن كافراً فأسلم، ولكنّه كلام يقوله ويشير به إلى القوم الذين يخاطبهم من أفناء الناس، فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسّعاً، ويجوز أن يكون معناه: لولا ألطاف اللَّه تعالى ببعثة محمّد صلى اللَّه عليه وآله لكنت أنا وغيري على مذهب الأسلاف، انتهى.3(فأجابه الرجل الذي أحابه من قبل) تصديقاً لما قال عليه السلام، وإبداءً بأنّ ثناءنا عليك لما أوجب اللَّه تعالى علينا من توقيرك وتعظيمك وأداءً لشكر نعمه الجليلة التي هي أنّه جعلك إمامنا