255
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

يكفي اللَّه من نفسي) أي يعصمني ويدفع عنّي.
(ما هو أملك به منّي) أي أقدر على دفعه.
والموصول عبارة عن خطيئات النفس وشرورها، وهذا نظير قول يوسف عليه السلام: «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي»1، وفيه إشارة إلى إسناد عصمته إلى اللَّه تعالى.
وفي النهج: «إلّا أن يكفي اللَّه»2 إلى آخره، وهو أظهر. يُقال: كفاه مؤونته.
ثمّ أشار عليه السلام إلى سبب كونه تعالى أملك وأقدر بقوله: (فإنّما أنا وأنتم) إلى قوله: (بعد العمى) .
وفيه ترغيب للتمسّك بذيل ربوبيّته للارتقاء من حضيص النقص إلى أوج الكمال.
وقوله عليه السلام: (وأخرجنا) أي بإرسال الرسل وإنزال الكتب (ممّا كنّا فيه) من الجهالة وعدم العلم والمعرفة (إلى ما صَلحنا عليه) بسكون الحاء.
والصلاح: ضدّ الفساد. صلح كمنع وكرم، وتعديته ب «على» بتضمين مثل معنى الورود. والموصول عبارة عن شرف الكمال والعلم والإيمان والهداية.
(فأبدلنا بعد الضلالة) عن طريق الهدى وسبيل الحقّ (بالهدى) إليه (وأعطانا البصيرة) القلبيّة التي بها يدرك الحقّ وتميّز بينه وبين الباطل (بعد العمى) أي عمى القلب عن إدراك الحقّ؛ إذ الجهالة والضلالة كانت فاشية في أهل الأرض قبل بعثة نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله، وفيه حثّ على أداء شكر تلك النعمة العظيمة.
قال ابن أبي الحديد:
[ليس‏] هذا إشارة إلى خاصّ نفسه عليه السلام؛ لأنّه لم يكن كافراً فأسلم، ولكنّه كلام يقوله ويشير به إلى القوم الذين يخاطبهم من أفناء الناس، فيأتي بصيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسّعاً، ويجوز أن يكون معناه: لولا ألطاف اللَّه تعالى ببعثة محمّد صلى اللَّه عليه وآله لكنت أنا وغيري على مذهب الأسلاف، انتهى.3(فأجابه الرجل الذي أحابه من قبل) تصديقاً لما قال عليه السلام، وإبداءً بأنّ ثناءنا عليك لما أوجب اللَّه تعالى علينا من توقيرك وتعظيمك وأداءً لشكر نعمه الجليلة التي هي أنّه جعلك إمامنا

1.يوسف (۱۲): ۵۳.

2.نهج البلاغة، ج ۲، ص ۲۰۲، الخطبة ۲۱۶.

3.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۱۱، ص ۱۰۸.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
254

(ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي) .
يُقال: استثقله، أي عدّه ثقيلاً. وجملة «قيل لي» صفة حقّ، أي لا تظنّوا بي أنّي أعدّ ثقيلاً ما قيل لي، أو ألتمس منّي في أمر حقّ من فعلٍ أو قول أو غيرهما، وإنّما نهى عنه لأنّ طبعه عليه السلام كان مجبولاً على سماع الحقّ وقبوله وإن كان مرّاً.
(ولا التماس إعظام لنفسي) .
يُقال: أعظمه إعظاماً، أي فخّمه وكبّره، كعظّمه تعظيماً؛ أي لا تظنّوا بي ذلك لأنّي لا ألتمسه ولا أطلبه؛ لأنّ أهل العظام هو اللَّه - عزّ وجلّ - وأنا لا اُنازعه في كبريائه، ولا أشرك نفسي معه أبداً.
ثمّ علّل عليه السلام النهي عن هذا الظنّ بقوله: (فإنّه من استثقل الحقّ أن يُقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما) أي بالحقّ والعدل (أثقل عليه) ممّن لا يستثقله.
قيل: هذا بمنزلة قياس استثنائي يستثنى منه نقيض التالي لينتج نقيض المقدّم وهو المطلوب، تقريره: كلّ من استثقل أن يُقال له الحقّ، أو يعرض عليه العدل، كان العمل بهما أثقل عليه بالضرورة، ولكن العمل بهما ليس بثقيل عليَّ، فينتجّ أنّ كلّاً من قول الحقّ لي وعرض العدل عليَّ ليس بثقيل.
ثمّ فرّع على قوله: «لا تظنّوا» قوله: (فلا تكفّوا) عندي (عن مقالة بحقّ، أو مشورة بعدل) ؛ فإنّ في الكفّ عنهما مفاسد لا تُحصى.1(فإنّي لستُ في نفسي بفوق أن اُخطى‏ء) .
الباء زائدة، و«فوق» مضاف إلى قوله «أن أخطئ» أي لست عند نفسي في مرتبة فوق مرتبة الخطأ بأن أعتقد استحالة صدور الخطأ منّي.
(ولا آمن ذلك) أي صدور الخطأ (من فعلي) .
هذا الكلام من قبيل التواضع وهضم النفس الباعث لهم على الانبساط معه عليه السلام بقول الحقّ، وعدم الاحتشام منه في ذلك، وليس اعترافاً بعدم العصمة، بل عدّ نفسه من المقصّرين في مقام العبوديّة والإقرار بأنّ عصمته من نعمه تعالى، كما أشار إليه بقوله: (إلّا أن

1.القائل هو المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۱۱.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 93285
صفحه از 568
پرینت  ارسال به