277
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

(انظروا أهل دين اللَّه) أي إلى أهل دين اللَّه.
قال الفيروزآبادي: «نظره - كضربه‏۱ وسمعه - وإليه نظراً: تأمّله بعينه»۲ انتهى. فلا حاجة إلى ما ارتكبه بعضهم من أنّ التقدير: يا أهل دينه.
وفي بعض النسخ: «إلى أهل دين اللَّه»، وهو يؤيّد ما ذكرناه.
(فيما) قيل: أي السّهام والعطايا والأموال التي (أصبتم) أي أخذتم وتملّكتم كما فرض وقرّر لكم من غير زيادة ونقصان.
(في كتاب اللَّه) أي في القرآن، أو في حكم اللَّه وتقديره.
قال الفيروزآبادي: «الكتاب: ما يكتب فيه، والفرض، والحكم، والقَدَر».۳(وتركتم عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله) أي وانظروا في الأموال التي تركتموها عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ولم تأخذوها؛ لعدم نصيبكم فيها، أو لمصلحةٍ اُخرى.
وقيل: المراد بقوله: «فيما أصبتم في كتاب اللَّه» نعوت الأنبياء والأولياء الذين ذكرهم اللَّه في القرآن، أو مواعيده الصادقة على الأعمال الصالحة، وبقوله: (تركتم عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله)صفاته الحسنة وصفات أصحابه وما كان يرتضيه صلى اللَّه عليه وآله من ذلك له ضمان الرسول لهم المثوبات على الصالحات كأنّه وديعة لهم عنده صلى اللَّه عليه وآله.۴(وجاهدتم به).
قيل: أي انظروا فيما جاهدتم به من أموالكم وأنفسكم وأنصبائكم التي أنفقتموها.۵(في ذات اللَّه) وطلب مرضاته.
وقيل: أي فيما جاهدتم بسببه، وهو ما رأيتم من فضله وكماله صلى اللَّه عليه وآله، أو ما سمعتم من المثوبات عليه.۶
وقوله: (أبحسب، أم بنسب) إلى آخره، استفهام إنكار، أي لم تكن تلك الاُمور بالحسب

1.في المصدر: «كنصره».

2.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۴۴ (نظر) مع التلخيص.

3.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۱۲۱ (كتب) مع التلخيص.

4.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۵۳۷.

5.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۱۹ مع اختلاف في اللفظ.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
276

والأمر بالإعراض عن زخارف الدُّنيا، والإقبال على الآخرة وأسبابها، والرضا بالقسمة في السّهام والعطايا.
وإن قرئ بصيغة الغيبة، فالموصول عبارة عمّا يستحقّون من التعذيب في العُقبى.
هذا، ولكن التفريع بقوله: (فيفقدون ذلك فيسألون) يؤيّد الأوّل. يُقال: فقده - كضربه - : إذا عدمه.
ولعلّ ذلك إشارة إلى ما يشتهون من طلب الفضل، وكونهم مغمورين في الدُّنيا ومشتهياتها، فلا يقبلون ما ذكر ممّا يستوجبون، وفي السؤال عمّا يشتهيهم يبالغون.
(فاللَّه عليهم المستعان) فيما يقولون، وما يفترون.
ثمّ أشار عليه السلام من باب الاستئناف بقوله: (من استقبل قبلتنا) إلى قوله: (وحدود الإسلام)إلى أنّه عليه السلام يجري عليهم أحكام القرآن وحدود الإسلام البتّة شاؤوا أو أبوا، والمراد بالشهادة في قوله: (وشهد شهادتنا) المشهود به، أو شهد كشهادتنا.
ثمّ دفع ما توهّموه من فضلهم على غيرهم بقوله: (ليس لأحد على أحد فضل إلّا بالتقوى)، فالتقيّ وإن كان عبداً حبشيّاً أفضل من غيره وإن كان سيّداً قرشيّاً.
وقوله: (ألا وأنّ للمتّقين عند اللَّه أفضل الثواب) حثّ على التقوى وترك سنن الجاهليّة لا حقيقة لها.
(وأحسن الجزاء والمآب) كما قال عزّ وجلّ: «وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ»۱ الآية.
ثمّ أشار إلى تسلية المتّقين تعريضاً على الفاسقين بقوله: (لم يجعل اللَّه - تبارك وتعالى - الدُّنيا للمتّقين ثواباً)؛ لاحتقارها وقلّتها وعدم بقائها.
(وما عند اللَّه) من الأجر الجليل والثواب الجزيل الدائم بدوام الأبد (خيرٌ للأبرار)ممّا ركن إليه الأشرار من الزهرات الحاضرة الفانية القليلة السريعة الزوال.
والحاصل: أنّه ليس الفضل والكرم عن اللَّه إلّا بالتقوى، وجزاء التقوى ليس إلّا في العُقبى، ولم يجعل اللَّه جزاء عمل المتّقين التفضيل في القسم وعطايا الدُّنيا.

1.ص (۳۸): ۴۹ و ۵۰.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72219
صفحه از 568
پرینت  ارسال به