293
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

واتّفق المتأخّرون من المحدّثين والفقهاء والمتكلّمين على ما ذكرنا. وقال بعضهم: إنّه كان مرّتين؛ مرّة بالروح، واُخرى بالجسم.۱
وقيل: قوله عليه السلام: «ثمّ رجع» دلّ بظاهره على أنّ الإسراء وقع إلى بيت المقدس فقط، لا إلى السماء أيضاً. وقال: يمكن حمله على ظاهره، ويكون الإسراء إلى السماء مرّةً اُخرى غير هذه المرّة، ويمكن أيضاً حمله على الاختصار بذكر بعض أجزاء المسافة الذي تطرد [عير ]أهل مكّة إليه شهراً ذاهبة وشهراً جائية؛ لأنّ هذه المسافة كانت مأنوسة عندهم، ومدّة السير فيها معلومة، فإذا علموا بأنّ سيره فيها ذهاباً أو عوداً وقع في بعض [الليل‏] واُقيم الشاهد على ذلك كان أدفع لإنكاره وأنفع لقبوله بخلاف الاُمور السماويّة؛ فإنّهم لم يعاينوها ولم يشاهدوها.۲
وقوله: (أنّي مررت بعيرٍ لأبي سفيان).
في القاموس: «العير - بالكسر - : القافلة مؤنّثة، أو الإبل تحمل الميرة بلا واحد من لفظها، أو كلّ ما امتير عليه إبلاً كانت أو حميراً أو بغالاً».۳
وقوله: (فقال بعضهم لبعض).
قيل: يحتمل أن يكون السائل بعض المؤمنين، ويدلّ عليه قوله: «فقالوا يا رسول اللَّه» ويؤيّده ما قال بعض العامّة من أنّه ارتدّ بهذا الإخبار جمعٌ من المؤمنين، فقالوا: ما لهذا يدّعي أنّه خرج الليلة إلى الشام ورجع.
ويحتمل أن يكون على سبيل المرافقة والملاينة والقصد إلى تصديقه بعد التبيّن، ولذلك آمن قليلٌ منهم.۴(إنّما جاء بالشام وهو راكب سريع).
الظاهر أنّ المستتر في «جاء» عائد إلى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، و«الشام» منصوب على المفعوليّة، أي أتاه.
وقيل: يحتمل أن يكون منصوباً بنزع الخافض، أي أتى منه.۵
وفي بعض النسخ العتيقة: «إنّما جاءه راكب سريع». قيل: أي جبرئيل، وفيما رواه

1.حكي عن السهيلي. اُنظر: شرح المازندراني، ج ۱۲، ص ۵۲۵.

2.القائل هو المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۲۵ مع اختلاف يسير في اللفظ.

3.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۹۸ (عير) مع التلخيص.

4.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۲۵ مع التلخيص.

5.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۵۴۴ مع اختلاف في اللفظ.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
292

حذف لأنّ المقصود ذكر النبيّ صلى اللَّه عليه وآله لا البُراق.۱(أتاه جبرئيل بالبراق).
هو اسم دابّة ركبها النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ليلة المعراج. وقيل: اشتقاقه من البرق لسرعته.۲ وقيل: يحتمل أنّه سمّي بذلك لأنّ فيه لونين، من قولهم شاة برقاء إذا كان في صوفها الأبيض طاقات سود، وتوصف بأبيض لأنّ الشاة البرقاء معدودة من البيض. وقيل: سمّي به لصفائه وبريقه.۳(فركبها فأتى بيت المقدس) بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال، أو بضمّ الميم وشدّ الدالّ المفتوحة. وعلى الأوّل إمّا مصدر كالمرجع، أو اسم مكان بمعنى المكان الذي فيه التقديس، أي الطهارة من الأصنام، أو من الذنوب.
واعلم أنّ الظاهر من هذا الخبر أنّ سيره صلى اللَّه عليه وآله في ليلة المعراج كان في حال اليقظة، وبالجسم والبدن، وهو قول علمائنا۴ وأكثر العامّة۵ ، واستدلّوا عليه بقوله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ»۶ حيث لم يقل بروح عبده، ولأنّ تحريك الجسم إلى مساحة بعيدة في مدّة قليلة هو المستغرب الذي يحتاج إلى البيان دون تحريك الروح.
وقال بعض العامّة: إنّه كان بالروح فقط.۷
وقيل: إنّه كان بالجسم إلى المسجد الأقصى، وبالروح إلى السماء؛۸ لأنّه لو كان بالجسم في حال اليقظة لقال: أسرى بعبده إلى السماء.
واُجيب بأنّ هذا لا يعارض إجماع الخاصّة بل إجماع العامّة أيضاً؛ إذ الخلاف بينهم منسوب إلى بعض السلف منهم.

1.نقله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۲۴ بعنوان «قيل».

2.حكاه المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۲۴ عن ابن دريد.

3.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۲۴.

4.راجع: التبيان، ج ۶، ص ۴۴۶؛ مجمع البيان، ج ۶، ص ۲۱۵؛ بحار الأنوار، ج ۱۸، ص ۲۸۲ - ۲۹۱.

5.راجع: البداية والنهاية، ج ۳، ص ۱۴۰؛ السيرة النبويّة لابن كثير، ج ۲، ص ۱۰۴؛ سبل الهدى والرشاد، ج ۳، ص ۶۷.

6.الإسراء (۱۷): ۱.

7.حكي عن عائشة وغيرها. راجع: الكشّاف، ج ۲، ص ۴۴۷؛ تفسير الرازي، ج ۲۰، ص ۱۴۵.

8.حكي عن طائفة. اُنظر: سبل الهدى والرشاد، ج ۳، ص ۶۷.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 73767
صفحه از 568
پرینت  ارسال به