309
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

قال الجوهري:
بهت الرجل - بالكسر - : إذا دهش وتحيّر. وبُهِت بالضمّ مثله. وأفصح منهما بُهِتَ، كما قال تعالى: «فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ»؛ لأنّه يقال: رجلٌ مبهوت، ولا يُقال: باهت ولا بَهيت.۱
وقوله تعالى: «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ».
كذا في سورة الصافّات. وفي نسخ الكتاب: «ونظر» بالواو.
وقال الشيخ الطبرسي رحمة اللَّه عليه:
اختلف في معناه على أقوال:
أحدها: أنّه عليه السلام نظر في النجوم واستدلّ بها على وقت حمّى كانت تعتوره، فقال: إنّي سقيم، أراد أنّه قد حضر وقت علّته وزمان نوبتها، فكأنّه قال: إنّي سأسقم لا محالة، وحان الوقت [الذي‏] يعتريني فيه الحمّى، وقد يسمّى المشارف للشي‏ء باسم الداخل فيه، قال اللَّه تعالى: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ»۲، وليس نظره في النجوم على حسب ما ينظره المنجّمون طلباً للأحكام.
وثانيها: أنّه نظر في النجوم كنظرهم؛ لأنّهم كانوا يتعاظمون علم النجوم، فأوهمهم أنّه يقول بمثل قولهم، فقال عند ذلك: إنّي سقيم، فتركوه ظنّاً منهم أنّ نجمه يدلّ على سقمه، ويجوز أن يكون اللَّه علّمه بالوحي أنّه يسقمه في وقت مستقبل، وجعل العلامة على ذلك إمّا طلوع نجم على وجه مخصوص، أو اتّصاله بآخر على وجه مخصوص، فلمّا رأى إبراهيم عليه السلام تلك الأمارة قال: إنّي سقيم، تصديقاً لما أخبره اللَّه تعالى.
وثالثها: أنّ معناه: نظر في النجوم نظر تفكّر، فاستدلّ بها كما قصّه اللَّه في سورة الأنعام على كونها محدثة غير قديمة ولا آلهة، وأشار بقوله: إنّي سقيم، إلى أنّه في حال مهلة النظر، وليس على يقين من الأمر ولا شفاء من العلم، وقد يسمّى الشكّ بأنّه سقم، كما يسمّى العلم بأنّه شفاء. عن أبي مسلم، وهو ضعيف.
ورابعها: أنّ معنى قوله: «إِنِّي سَقِيمٌ»، أي سقيم القلب، أو الرأي، حزناً من إصرار [القوم‏] على عبادة الأصنام، وهي لا تسمع ولا تبصر، ويكون على هذا معنى نظره

1.الصحاح، ج ۱، ص ۲۴۴ (بهت).

2.الزمر (۳۹): ۳۰.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
308

رجلين فقتل أحدهما وأطلق الآخر، [و] زعم الأحمق أنّه أحياه وأماته.۱
وقال: «أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ».
قال الشيخ الطبرسي رحمة اللَّه عليه:
أي فقال نمرود: أنا اُحيي بالتخلية من الحبس من وجب عليه القتل، واُميت بالقتل من شئت، أي ممّن هو حيّ. وهذا جهل من الكافر؛ لأنّه اعتمد في المعارضة على العبارة فقط دون المعنى، عادلاً عن وجه الحجّة بفعل الحياة للميّت، أو الموت للحيّ على سبيل الاختراع الذي ينفرد سبحانه به، ولا يقدر عليه سواه.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: «فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ».
قيل في انتقاله من حجّة إلى حجّة اُخرى وجهان.
أحدهما: أنّ ذلك لم يكن انتقالاً وانقطاعاً عن إبراهيم؛ فإنّه يجوز من كلّ حكيم إيراد حجّة اُخرى على سبيل التأكيد بعدما ابتدأ به من الحِجاج، وعلامة تمامه ظهوره من غير اعتراض عليه بشبهة لها تأثير عند التأمّل والتدبّر.
والثاني: أنّ إبراهيم عليه السلام إنّما قال ذلك ليبيّن أنّ من شأن من يقدر على إحياء الأموات وإماتة الأحياء أن يقدر على إتيان الشمس من المشرق، فإن كنت قادراً على ذلك فأت بها من المغرب. وإنّما فعل ذلك؛ لأنّه لو تشاغل معه بأنّي أردت اختراع الحياة والموت من غير سبب ولا علاج لاشتبه على كثير ممّن حضر، فعدل إلى ما هو أوضح؛ لأنّ الأنبياء عليهم السلام إنّما بُعثوا للبيان والإيضاح، وليست اُمورهم مبنيّة على لجاج الخصمين وطلب كلّ واحد منهما غلبة خصمه.
وقد روي عن الصادق عليه السلام: «أنّ ابراهيم عليه السلام قال له: إحي مَنْ قتلته إن كنت صادقاً، ثمّ استظهر عليه بما قال له ثانياً.
«فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ» أي تحيّر عند الانقطاع بما بانَ له من ظهور الحجّة.
«وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» بالمعونة على بلوغ البغية من الفساد.
وقيل: معناه: لا يهديهم إلى المحاجّة كما يهدي أنبياءه [أولياءه‏]. وقيل: معناه: لا يهديهم بألطافه وتأييده إذا علم أنّه لا لطف لهم. وقيل: لا يهديهم إلى الجنّة.۲
انتهى كلام الطبرسي رحمة اللَّه عليه.

1.اُنظر: شرح المازندراني، ج ۱۲، ص ۵۳۱.

2.مجمع البيان، ج ۲، ص ۱۶۹ مع التلخيص.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72194
صفحه از 568
پرینت  ارسال به