345
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

ثمّ اعلم أنّ الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة مستفيضة في نزول هذه الآية في مودّة أهل البيت عليهم السلام، ولنذكر طرفاً منها؛ ذكر أبو حمزة الثمالي، عن السدّي، أنّه قال: اقتراف الحسنة المودّة لآل محمّد صلى اللَّه عليه وآله.۱
وصحَّ عن الحسن بن عليّ عليهما السلام أنّه خطب الناس، فقال في خطبته: «إنّا من أهل البيت الذين افترض اللَّه مودّتهم على كلّ مسلم» فقال: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً»؛ فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت.۲
وروى إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «إنّها نزلت فينا أهل البيت أصحاب الكساء».۳(وهو قول اللَّه عزّ وجلّ) في سورة القصص: «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا»۴ذاتاً ووصفاً وقدراً.
والظاهر إرجاع الضمير في قوله: «وهو قول اللَّه» إلى من تولّى الأوصياء من آل محمّد، ويحتمل إرجاعه إلى تولّيهم. وعلى هذا التفسير والمآل واحد؛ أي المراد بالحسنة فيها أيضاً مودّة الأوصياء عليهم السلام؛ يعني أنّها نزلت فيها، أو هي الفرد الكامل من الحسنة التي يشترط قبول سائر الحسنات بها، فكأنّها منحصرة فيها.
ولعلّ معنى قوله: «فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا» أنّ تلك المودّة مستلزمة لسائر الولايات الواجبة والمندوبة من ولايات الأنبياء وسائر الأوصياء وغيرهم، وهذا المجموع خيرٌ من الأوّل؛ لاشتماله عليه وعلى غيره.
وقوله: (يدخله الجنّة) إشارة إلى ثمرة هذه الحسنة، وكونه بياناً لقوله: خيرٌ منها، بعيد كما لا يخفى.
وقد روى محمّد بن العبّاس في تفسيره بإسناده عن أبي عبد اللَّه الجدلي، عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: قال: «هل تدري ما الحسنة التي من جاء بها هم من فزع يومئذٍ آمنون، ومن جاء بالسيّئة كُبَّتْ وجوههم في النار؟» قلت: لا، قال: «الحسنة مودّتنا أهل البيت،

1.مجمع البيان، ج ۹، ص ۵۰.

2.المصدر.

3.النمل (۲۷): ۸۹.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
344

وهذا لقريش خاصّة. وهو قول ابن عبّاس، وعِكرمة، ومجاهد.
الثاني: عن سعيد بن جبير: أنّه لمّا نزل هذه الآية قالوا: يا رسول اللَّه، من هؤلاء الذين نودّهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناهما عليهم السلام».
الثالث: إنّ القربى التقرّب إلى اللَّه، أي إلّا أن تودّوا اللَّه ورسوله في تقرّبكم إليه بالطاعة والعمل الصالح.
الرابع: أن تودّوا أقرباءكم، وتصِلوا أرحامكم.
وفي الاستثناء قولان: أحدهما أنّه متّصل. والآخر أنّه منقطع؛ أي لا أسألكم أجراً البتّة، ولكن أسألكم المودّة في القربى.
وقالوا: الضمير في «عليه» راجع إلى التبليغ، ومعنى الأجر النفع. والاقتراف: الاكتساب. والحسنة: الطاعة، سيما حبّ آل الرسول.
ومعنى قوله: «نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً»: نضاعفها له، والضمير يعود إلى الحسنة. وقيل: إلى الجنّة.
هذا خلاصة أقوال المفسّرين.۱(قال عليه السلام) في تفسير هذه الآية: (من تولّى) أي أحبّ (الأوصياء من آل محمّد واتّبع آثارهم، فذاك) التولّي والاتّباع (يزيده)؛ الضمير البارز للموصول، والمستتر للتولّي والاتّباع.
وقوله: (ولاية من مضى)؛ المفعول الثاني ليزيد.
وقوله: (من النبيّين والمؤمنين الأوّلين) بيان للموصول.
(حتّى تصل) من الوصل، أو الوصول.
(ولايتهم) إضافة المصدر إلى المفعول.
(إلى آدم عليه السلام) أي إلى ولايته.
والحاصل: أنّ مودّتهم مستلزمة لمودّة هؤلاء، أو لا تقبل مودّة هؤلاء إلّا بمودّتهم، وهذا تأويل ما روي: أنّ من عرف الآخر عرف الأوّل، ومن أنكر الآخر أنكر الأوّل.۲

1.راجع: الكشّاف، ج ۳، ص ۴۶۶ - ۴۶۸؛ مجمع البيان، ج ۹، ص ۴۸ - ۵۰؛ تفسير القرطبي، ج ۱۶، ص ۲۱ - ۲۴.

2.نقله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۴۷ بعنوان «نُقل».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 93321
صفحه از 568
پرینت  ارسال به