349
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

وذهب أبو عليّ الجبائي إلى أنّ الواو حذف للجزم، وجعل معنى الآية: إن افتريت ختم على قلبك، ومحى الباطل المفترى، فعلى قوله «وَيُحِقُّ الْحَقَّ» استئناف، ومعناه يظهر الحقّ ويثبته.
«بِكَلِمَاتِهِ»: بالقرآن. وقيل: بصدق رسله بوحيه.۱ وقيل: بنصر دينه بوعده.۲
قال الفيروزآبادي: «حقّه - كمدّه - : غلبه على الحقّ، كأحقّه. والشي‏ء: أوجبه، كأحقّه وحقّقه».۳
أقول: الأنسب بتفسيره عليه السلام أن يُراد بمحو الباطل محق ما قدّره المنافقون في أنفسهم من ردّ الولاية عن أهلها باختناق الحقّ إثبات ما هو الحقّ من ولاية أهل البيت عليهم السلام، نظير قوله تعالى: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»۴.
وقال البيضاوي:
«وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ» الآية استئناف لنفي الافتراء عمّا يقوله بأنّه لو كان مفترى لمحقه إذ من عادته تعالى محو الباطل وإثبات الحقّ بوحيه أو بقضائه أو بوعده بمحق باطلهم وإثبات حقّه بالقرآن أو بقضائه الذي لا مردّ له.۵
وقوله: (يقول: الحقّ لأهل بيتك الولاية)؛ يعني أنّه تعالى أراد بالحقّ الولاية، بأن تكون الولاية خيراً للحقّ.
ويحتمل كونها بدلاً منه، والخبر قوله: «لأهل بيتك».
وفي بعض النسخ: «بقول الحقّ» بالباء الموحّدة.
«إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»۶.
قيل: أي بضمائر القلوب.۷ فلو علم من قلبه أنّه همَّ بالافتراء العاجلة بالعقوبة، فكيف إذا نطق به وصرّح؟!
وقوله عليه السلام: (ويقول بما ألقوه في صدورهم) إلى آخره، تفسير لذات الصدور، فالظاهر

1.مجمع البيان، ج ۹، ص ۵۰.

2.الشورى (۴۲): ۲۴.

3.ذهب إليه الزمخشري في الكشّاف، ج ۳، ۴۶۸.

4.ذهب إليه السمرقندي في تفسيره، ج ۲، ص ۱۲۷.

5.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۲۲۱ (حقق) مع التلخيص.

6.الصفّ (۶۱): ۸.

7.تفسير البيضاوي، ج ۵، ص ۱۲۹ مع التلخيص و اختلاف يسير في اللفظ.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
348

أقول: يظهر من تفسيره عليه السلام أنّ المراد: افترى محمّد صلى اللَّه عليه وآله بدعوى أنّ الولاية من الوحي.
«فَإِنْ يَشَأْ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ».۱
قال البيضاوي:
هذا استبعاد للافتراء عن مثله بالإشعار على أنّه إنّما يجترئ عليه من كان مختوماً على قلبه جاهلاً بربّه، فأمّا من كان ذا بصيرة ومعرفة [فلا] وكأنّه قال: إن يشأ اللَّه خذلانك يختم على قلبك لتجترئ بالافتراء عليه.
وقيل: يختم على قلبك يمسك القرآن أو الوحي عنه، أو يربط عليه بالصبر فلا يشقّ عليك أذاهم،۲ انتهى.
وقال بعض المفسّرين: معنى قوله: «فَإِنْ يَشَأْ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ»: لأنساك ما أتاك من القرآن،۳ ولكنّه لم يشأ فأثبته فيه ابن عيسى، لو حدّثت نفسك أن تفتري على اللَّه كذباً لطبع على قلبك.۴ وقيل: يجعل قلبك كالمختوم عليه لا يصل إليه شي‏ء، ولا يخرج منه شي‏ء.۵ وقيل: لأماتك.۶ فإن قلت: الميّت كالمختوم عليه، ومثله: «لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ»۷، وفسّره عليه السلام بأنّه تعالى يقول: (لو شئت حبست عنك الوحي) أي الختم على القلب كناية عن حبس الوحي الدالّ على الولاية.
(فلم تكلّم) من التكليم، أو من التكلّم بحذف إحدى التائين.
(بفضل أهل بيتك ولا بمودّتهم) حيث إنّه لو حبس الوحي عنه صلى اللَّه عليه وآله لم يتكلّم بشي‏ء منهما.
(وقد قال اللَّه عزّ وجلّ) في سورة الشورى بعد الآية السابقة بلا فصل: «وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ».
قيل: أي يرفعه ويزيله.۸ وقيل: يهلك الشرك.۹
وفي بعض المصاحف: «يمح» بسقوط الواو لا للجزم، بل لاتّباع اللّفظ، ومثله يدع الإنسان، وسندع الزبانية، هذا هو المشهور.

1.مجمع البيان، ج ۹، ص ۵۰.

2.الشورى (۴۲): ۲۴.

3.تفسير البيضاوي، ج ۵، ۱۲۹.

4.نقل عن قتادة في: جامع البيان، ج ۲۵، ص ۳۶، ح ۲۳۷۱ و ۲۳۷۱۱؛ تفسير الثعلبي، ج ۸، ص ۳۱۴؛ الدرّ المنثور، ج ۶، ص ۷ مع اختلاف في اللفظ.

5.نقل عنه القرطبي في تفسيره، ج ۱۶، ص ۲۵.

6.راجع: الكشّاف، ج ۳، ص ۴۶۸.

7.الحاقّة (۶۹): ۴۶.

8.تفسير السمرقندي، ج ۳، ص ۲۳۱.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 93272
صفحه از 568
پرینت  ارسال به