353
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

بمعنى الذين، كما في قوله: «وَخُضْتُمْ كَالَّذِى خَاضُوا»۱ إن جعل مرجع الضمير في «بنورهم»، أو قصد به جنس المستوقدين، أو الفوج الذي استوقدوا. والاستيقاد: طلب الوقود، والسعي في تحصيلها، وهو سطوع النار وارتفاع لهبها، «فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ» أي النار ما حول المستوقد إن جعلتها متعدّية، وإلّا أمكن أن تكون مسندة إلى «ما» والتأنيث؛ لأنّ ما حوله أشياء وأماكن، أو إلى ضمير النار و«ما» موصولة في معنى الأمكنة نصب على الظرف أو مزيدة، و«حوله» ظرف. «ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ» جواب «لمّا».۲
انتهى كلام البيضاوي.
فلنعد إلى شرح الحديث؛ فلمّا كان المشبّه به أمراً محسوساً ظاهراً لا حاجة فيه إلى توضيحه أشار عليه السلام إلى توضيح المشبّه بقوله: (أضاءت الأرض بنور محمّد صلى اللَّه عليه وآله كما تضي‏ء الشمس).
يحتمل أن يُراد بالأرض ما يعمّ قلوب المؤمنين، والمراد بالنور نور العلم والهداية، وحاصله: أنّ الأرض أشرقت بنور محمّد صلى اللَّه عليه وآله، فلمّا قبض اظلّمت بظلمة النفاق والكفر، وذهب اللَّه بنور هؤلاء المنافقين فهم لا يبصرون.
(فضرب مثل محمّد صلى اللَّه عليه وآله الشمس، ومثل الوصيّ القمر)و
يقال: ضرب فلان مثلاً، أي وصف وبيّن، وعدّى هنا إلى المفعول؛ لتضمّنه معنى جعل. والغرض من هذا التفريع الاستدلال على أنّ المراد بالضوء منها نور محمّد صلى اللَّه عليه وآله، وبيانه: أنّه تعالى مثّل في القرآن الرسول صلى اللَّه عليه وآله بالشمس ونسب إليها الضياء، والوصيّ بالقمر ونسب إليه النور، فعلم من ذلك أنّ الضوء للرسالة، والنور للإمامة، وربّما يستأنس لذلك بما ذكروه من أنّ ما بالذات ضوء وما بالعرض نور، ومن هنا ينسب النور إلى القمر؛ لأنّه يستفيد النور من الشمس، ولمّا كان نور الأوصياء مقتبساً من نور الرسول صلى اللَّه عليه وآله، وعلمهم من علمه، عبّر عن علمهم وكمالهم بالنور، وعن علم الرسول صلى اللَّه عليه وآله بالضياء.
(وهو قول اللَّه‏۳عزّ وجلّ) في سورة يونس عليه السلام: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً».

1.التوبة (۹): ۶۹.

2.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۱۸۹ مع التلخيص.

3.في المتن الذى ضبطه الشارح رحمة اللَّه عليه سابقاً: «قوله».


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
352

«فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»۱.
«لَقُضِىَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ»؛ أي لانقطع ما بيني وبينكم من الولاية، وأهلكتكم عاجلاً غضباً لربّي حيث ظهر كفركم ونفاقكم ووجوب قتلكم، وتتمّة الآية: «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ»۲.
قال البيضاوي:
هذا في معنى استدراك، كأنّه قال: ولكنّ الأمر إلى اللَّه وهو أعلم بمَن ينبغي أن يؤخذ وبمن ينبغي أن يمهل.۳(قال: لو أنّي اُمرت أن اُعلمكم) من الإعلام.
(الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي) من بيان للموصول.
(لتظلموا أهل بيتي من بعدي).
قيل: لعلّ على تأويله عليه السلام في الكلام تقدير، أي عندي الأخبار بما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم، ولم يفسّر عليه السلام الجزاء لظهوره.۴(فكان مثلكم)؛ الخطاب للمنافقين، والفاء للتفريع، والمقصود بيان ما يترتّب على ذهابه صلى اللَّه عليه وآله من بينهم من غوايتهم وحيرتهم وضلالتهم.
(كما قال اللَّه عزّ وجلّ) أي كالمثل الذي ضربه اللَّه - عزّ وجلّ - في هذه الآية، حيث قال: «كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ»۵.
قال البيضاوي:
لمّا جاء اللَّه بحقيقة حال المنافقين عقّبها بضرب المثل زيادة في التوضيح والتقرير؛ فإنّه أوقع في القلب وأقمع للخصم الألدّ لأنّه يريك المتخيّل محقّقاً، والمعقول محسوساً، والمثل في الأصل بمعنى النظير، ثمّ استعير لكلّ حال أو قصّة أو صفة لها شأن وفيها غرابة، والمعنى حالهم العجيبة الشأن حال من استوقد ناراً، و«الذي»

1.الأنفال (۸): ۳۲.

2.الأنعام (۶): ۵۸.

3.تفسير البيضاوي، ج ۲، ص ۴۱۵ مع اختلاف يسير في اللفظ.

4.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۵۷۴ مع اختلاف في اللفظ.

5.البقرة (۲): ۱۷.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 93234
صفحه از 568
پرینت  ارسال به