355
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ هذه الآية نزلت في شأن الاُمّة بعد موت النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وذهاب نورهم، فصاروا كمَن كان في ظلمات ينظر ولا يبصر شيئاً.
ويحتمل أن يكون على سبيل التنظير، أي كما أنّ في زمان الرسول صلى اللَّه عليه وآله أخبر اللَّه عن حال جماعة تركوا الحقّ واختاروا الضلالة، فأذهب اللَّه نور الهدى عن أسماعهم وأبصارهم، فصاروا بحيث مع سماعهم الهدى كأنّهم لا يسمعون، ومع رؤيتهم الحقّ كأنّهم لا يبصرون، فكذا هؤلاء؛ لذهاب نور الرسالة من بينهم لا يبصرون الحقّ وإن كانوا ينظرون إليه.1(ثمّ إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي؛ وهو) أي علم رسول اللَّه ووضعه عند الوصيّ (قول اللَّه عزّ وجلّ: «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»2) .
قال البيضاوي:
النور في الأصل كيفيّة تدركها الباصرة أوّلاً، وبواسطتها سائر المبصرات كالكيفيّة الفائضة من النيّرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لها، وهو بهذا المعنى لا يصحّ إطلاقه على اللَّه تعالى إلّا بتقدير مضاف، كقولك: زيد كرم، بعنى ذو كرم، أو على تجوّز إمّا بمعنى نور السماوات والأرض، وقد قرئ به؛ فإنّه تعالى نوّرها بالكواكب وما يفيض عنها من الأنوار، أو بالملائكة والأنبياء، أو مدبّرها من قولهم للرئيس الفائق في التدبير: نوّر القوم؛ لأنّهم يهتدون به في الاُمور، أو موجدها؛ فإنّ النور ظاهر بذاته مُظهر لغيره، وأصل الظهور هو الوجود، كما أنّ أصل الخفاء هو العدم، واللَّه سبحانه موجود بذاته موجِد لما عداه، أو الذي به تدرك، أو يدرك أهلها من حيث إنّه يطلق على الباصرة؛ لتعلّقها به، أو لمشاركتها له في توقّف الإدراك عليه، ثمّ على البصيرة؛ لأنّها أقوى إدراكاً، فإنّها تدرك نفسها وغيرها من الكلّيّات والجزئيّات الموجودات والمعدومات، وتتصرّف فيها بالتركيب والتحليل، ثمّ إنّ هذه الإدراكات ليست لذاتها، وإلّا لما فارقتها، فهي إذن من سبب يفيضها عليها، وهو اللَّه تعالى ابتداءً أو بتوسّط الملائكة والأنبياء، ولذلك سمّوا أنواراً، ويقرُب منه قول ابن عبّاس رضي اللَّه عنه: معناه هادي من فيهما فهم بنوره يهتدون، انتهى.3
وأنت إذا أحطت خبراً بما حكيناه علمت أنّه يمكن تطبيق قوله عليه السلام: (يقول: أنا هادي

1.القائل هو العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۵۷۵ و ۵۷۶.

2.النور (۲۴): ۳۵.

3.تفسير البيضاوي، ج ۴، ص ۱۸۷ و ۱۸۸.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
354

قيل: أي ذات ضياء، أو الحمل للمبالغة.۱ وكذا قوله: «وَالْقَمَرَ نُوراً».۲
قيل: النور أعمّ من الضوء.۳
ثمّ أشار عليه السلام إلى تأويل آية اُخرى لإيضاح المدّعى فقال: (وقوله:«وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ»).
قيل: أي نزيله ونكشف عن مكانه، مستعار من سلخ الجلد.
«فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ»۴ داخلون في الظلام،۵ إلّا أن يستضيئوا بنور القمر.
وقيل: فيه استعارة تبعيّة، له وجهٌ ظاهر وتأويل؛ أمّا الظاهر فتشبيه إزالة النهار عن ظلمة الليل، بناءً على أنّ الظلمة أصل، والنهار طارٍ عليها ساتر لها بكشط الجلد وإزالته عن الشاة، والوجه هو ترتّب أمر على أمر، كترتّب ظهور الليل على إزالة النهار، وترتّب ظهور اللّحم على كشط الجلد. وأمّا التأويل - وهو المراد هنا - فتشبيه قبض محمّد صلى اللَّه عليه وآله وإزالة نوره عن ظلمة جهل المنافقين وعداوتهم ونفاقهم بالكشط المذكور، والوجه ظهور تلك الظلمة وبروزها.۶
ثمّ ذكر عليه السلام تتمّة الآية السابقة بعد بيان أنّ المراد بالإضاءة إضاءة شمس الرسالة، فقال: (وقوله عزّ وجلّ:«ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ»).
له أيضاً ظاهر وتأويل مثل ما مرّ، وأشار إلى التأويل بقوله: (يعني قبض محمّد صلى اللَّه عليه وآله وظهرت الظلمة) أي ظلمة الكفر والجهل والنفاق، فالمراد بإذهاب النور قبض النبيّ صلى اللَّه عليه وآله.
(فلم يبصروا فضل أهل بيته) لإحاطة الظلمة بهم.
(وهو) أي عدم إبصارهم فضل أهل بيته.
(قوله عزّ وجلّ) في سورة الأعراف: «وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»۷ على تفسيره عليه السلام يكون المراد بالهدى الولاية خصوصاً، أو لأنّها أعظم أفرادها ونفي السماع والإبصار عنهم؛ لأنّهم لم يعملوا بمقتضاهما.

1.قاله البيضاوي في تفسيره، ج ۳، ص ۱۸۵.

2.يونس (۱۰): ۵.

3.قاله البيضاوي في تفسيره، ج ۳، ص ۱۸۶.

4.يس (۳۶): ۳۷.

5.قاله البيضاوي في تفسيره، ج ۴، ص ۴۳۳.

6.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۴۹.

7.الأعراف (۷): ۱۹۸.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 93232
صفحه از 568
پرینت  ارسال به