وقيل: يحتمل أن يكون المراد أنّ هذه الآية نزلت في شأن الاُمّة بعد موت النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وذهاب نورهم، فصاروا كمَن كان في ظلمات ينظر ولا يبصر شيئاً.
ويحتمل أن يكون على سبيل التنظير، أي كما أنّ في زمان الرسول صلى اللَّه عليه وآله أخبر اللَّه عن حال جماعة تركوا الحقّ واختاروا الضلالة، فأذهب اللَّه نور الهدى عن أسماعهم وأبصارهم، فصاروا بحيث مع سماعهم الهدى كأنّهم لا يسمعون، ومع رؤيتهم الحقّ كأنّهم لا يبصرون، فكذا هؤلاء؛ لذهاب نور الرسالة من بينهم لا يبصرون الحقّ وإن كانوا ينظرون إليه.1(ثمّ إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وضع العلم الذي كان عنده عند الوصي؛ وهو) أي علم رسول اللَّه ووضعه عند الوصيّ (قول اللَّه عزّ وجلّ: «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»2) .
قال البيضاوي:
النور في الأصل كيفيّة تدركها الباصرة أوّلاً، وبواسطتها سائر المبصرات كالكيفيّة الفائضة من النيّرين على الأجرام الكثيفة المحاذية لها، وهو بهذا المعنى لا يصحّ إطلاقه على اللَّه تعالى إلّا بتقدير مضاف، كقولك: زيد كرم، بعنى ذو كرم، أو على تجوّز إمّا بمعنى نور السماوات والأرض، وقد قرئ به؛ فإنّه تعالى نوّرها بالكواكب وما يفيض عنها من الأنوار، أو بالملائكة والأنبياء، أو مدبّرها من قولهم للرئيس الفائق في التدبير: نوّر القوم؛ لأنّهم يهتدون به في الاُمور، أو موجدها؛ فإنّ النور ظاهر بذاته مُظهر لغيره، وأصل الظهور هو الوجود، كما أنّ أصل الخفاء هو العدم، واللَّه سبحانه موجود بذاته موجِد لما عداه، أو الذي به تدرك، أو يدرك أهلها من حيث إنّه يطلق على الباصرة؛ لتعلّقها به، أو لمشاركتها له في توقّف الإدراك عليه، ثمّ على البصيرة؛ لأنّها أقوى إدراكاً، فإنّها تدرك نفسها وغيرها من الكلّيّات والجزئيّات الموجودات والمعدومات، وتتصرّف فيها بالتركيب والتحليل، ثمّ إنّ هذه الإدراكات ليست لذاتها، وإلّا لما فارقتها، فهي إذن من سبب يفيضها عليها، وهو اللَّه تعالى ابتداءً أو بتوسّط الملائكة والأنبياء، ولذلك سمّوا أنواراً، ويقرُب منه قول ابن عبّاس رضي اللَّه عنه: معناه هادي من فيهما فهم بنوره يهتدون، انتهى.3
وأنت إذا أحطت خبراً بما حكيناه علمت أنّه يمكن تطبيق قوله عليه السلام: (يقول: أنا هادي