357
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

وقيل: المشكاة: القنديل، والمصباح: الفتيلة. عن مجاهد.
«الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ» أي ذلك السراج في زجاجة، وفائدة اختصاص الزجاجة بالذكر أنّه أصفى الجواهر، فالمصباح فيه أضوء.
«الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّىٌّ» أي تلك الزجاجة مثل الكوكب العظيم المضي‏ء الذي يشبه الدّر في صفائه ونوره ونقائه، وإذا جعلته من الدرء - وهو الدفع - فمعناه المندفع السريع الوقع في الانقضاض، ويكون ذلك أقوى لضوئه.
«يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» أي يشتعل ذلك السراج من دهن شجرة مباركة.
«زَيْتُونِةٍ» أراد بالشجرة المباركة [شجرة] الزيتون؛ لأنّ فيها أنواع المنافع، فإنّ الزيت يسرج به، وهو أدام ودهان ودباغ يوقد بحطب الزيتون وثفله، ويغسل برماده الإبريسم، ولا يحتاج في استخراج دهنه إلى إعصار.
وقيل: خصّ الزيتونة؛ لأنّ دهنها أصفى وأضوء. وقيل: لأنّها أوّل شجرة نبتت في الدُّنيا بعد الطوفان ومنبتها منزل الأنبياء. وقيل: لأنّه بارك فيها سبعون نبيّاً منهم إبراهيم، فلذلك سمّيت مباركة.
«لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ» أي لا يفي‏ء عليها ظلّ شرق ولا غرب، فهي ضاحية للشمس، ولا يظلّها جبل ولا شجر ولا كهف، فزيتها يكون أصفى. عن ابن عبّاس، والكلبي، وعِكرمة، وقتادة.
فعلى هذا يكون المعنى أنّها ليست بشرقيّة لا تصيبها الشمس إذا [هي‏] غربت، ولا هي غربيّة لا تصيبها الشمس إذا طلعت، بل هي شرقيّة غربيّة أخذت بحظّها من الأمرين.
وقيل: معناه أنّها ليست من شجر الدُّنيا فتكون شرقيّة أو غربيّة. عن الحسن.
وقيل: معناه أنّها ليست في مقنوءة لا تصيبها الشمس، ولا هي بارزة للشمس لا يصيبها الظلّ. بل تصيبها الشمس والظلّ، عن السدّي.
وقيل: ليست من شجر الشرق ولا من شجر الغرب؛ لأنّ ما اختصّ بإحدى الجهتين كان أقلّ زيتاً وأضعف ضوءاً، لكنّها من شجر الشام، وهي ما بين المشرق والمغرب. عن ابن زيد.
«يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِى‏ءُ» من صفائه وفرط ضيائه.
«وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ» أي قبل أن تصيبه النار وتشتعل فيه. واختلف في هذا التشبيه


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
356

السماوات والأرض) على كلّ من تلك الوجوه بضرب من التقريب، وعلمت أنّ تقدير المضاف - أي هادي أهل السماوات والأرض - غير محتاج إليه إلّا على بعض الوجوه، ولعلّ حذف المفعول الثاني للهداية؛ ليدلّ على التعميم، ولئلّا يتوهّم التخصيص ببعض دون بعض.
وقوله عليه السلام: (مثل العلم الذي أعطيته) تفسير لقوله تعالى: «مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ» وإشارة إلى أنّ النور هنا مستعار للعلم.
وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «مَثَلُ نُورِهِ»:
أي صفة نوره العجيبة الشأن، وإضافته إلى ضميره سبحانه دليل على أنّ إطلاقه عليه لم يكن على ظاهره: «كَمِشْكَاةٍ» أي كصفة مشكاة، وهي الكوّة الغير النافذة.1
وقال الشيخ الطبرسي رحمة اللَّه عليه:
«مَثَلُ نُورِهِ» فيه وجوه:
أحدها: أنّ معناه: مثل نور اللَّه الذي هدى به المؤمنين و[هو] الإيمان في قلوبهم. عن اُبيّ بن كعب، والضحّاك، وكان اُبيّ يقرأ: «مثل نور من آمن».
والثاني: مثل نوره الذي هو القرآن في القلب. عن ابن عبّاس، والحسن، وزيد بن أسلم.
والثالث: أنّه عنى بالنور محمّداً صلى اللَّه عليه وآله، وأضافه إلى نفسه تشريفاً له. عن كعب، وسعيد بن جبير. فالمعنى مثل محمّد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.
والرابع: أنّ نوره سبحانه الأدلّة الدالّة على توحيده، وعدله التي هي في الظهور والوضوح مثل النور. عن أبي مسلم.
والخامس: أنّ النور هنا الطاعة، أي مثل طاعة اللَّه في قلب المؤمن. عن ابن عبّاس.
وفي رواية اُخرى: «كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ»؛ الْمِصْبَاحُ‏2 هي الكوّة في الحائط يوضع عليها زجاجة، ثمّ يكون المصباح خلف تلك الزجاجة، ويكون للكوّة باب آخر يوضع المصباح فيه.
وقيل: المشكاة: عمود القنديل الذي فيه الفتيلة، وهو مثل الكوّة، والمصباح: السراج.

1.تفسير البيضاوي، ج ۴، ص ۱۸۸.

2.في المصدر: «المشكاة».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 73808
صفحه از 568
پرینت  ارسال به