39
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

ونقل الرازي في تفسيره عن الحسن والضحّاك وقتادة وابن جريح وعطاء أنّه عليه السلام رأى جيفة مطروحة في شطّ البحر، فإذا مدّ البحر أكل منها دوات البحر، وإذا جزر البحر جاءت السباع وأكلت، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور وأكلت وطارت، فقال إبراهيم: ربِّ أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع والطيور ودوابّ البحر؟ فقيل: أوَلَم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن المطلوب من السؤال أن يصير العلم الاستدلالي ضروريّاً.۱
أقول: هذا الوجه الأخير قريب ممّا ذكر في الكتاب، وأنت خبير بأنّ اتّحاد المسبّب لا يوجب اتّحاد السبب.
وقوله: (قال: كيف تخرج ما تناسل الذي أكل بعضها بعضاً) تفسير لقوله تعالى: «كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى».
قال الفيروزآبادي: «النسل: الخلق، والولد. نَسَلَ: وَلَدَ، كأنسل. وتناسلوا: أنسل بعضهم بعضاً»۲ انتهى.
وفي بعض النسخ: «التي أكل»، وهو الظاهر؛ فإنّ في إرجاع ضمير «بعضها» على نسخة الأصل إلى الموصول إشكال، فتأمّل جدّاً.
والمستتر في «قال» لإبراهيم عليه السلام، و«تخرج» بصيغة الخطاب من الإخراج، وكلمة «ما» موصولة، و«تناسل» على نسخة الأصل بصيغة الماضي، وفاعله «الذي»، وعائد الموصول محذوف، وعلى ما في بعض النسخ بصيغة المضارع بحذف إحدى التائين، وكلمة «ما» عبارة عن أجزاء تلك الجيفة التي صارت في بدن الآكل منيّاً وكوّن منه حيوان آخر.
وحاصل السؤال أنّه إذا أكل بعض تلك الحيوانات بعضاً، وتولّد من تلك الأجزاء الغذائيّة مني وصار مادّة لحيوان آخر، فتلك الأجزاء مع أيّ من تلك الأبدان تعود وتحيى.
وقال بعض العلماء: «التي» بدل من «ما تناسل».۳
أقول: كلمة «ما» حينئذٍ عبارة عن الحيوانات الآكلة والمأكولة بعينها، لا ما تولّد منها. نعم، يفهم إخراج النسل منه التزاماً، كما لا يخفى.

1.تفسير الرازي، ج ۷، ص ۴۰.

2.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۵۷ (نسل) مع التلخيص.

3.لم نعثر على قائله.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
38

وقال بعض المفسّرين: «إنّما سأل ذلك ليصير علمه عياناً».۱ وقال بعضهم: إنّه مع مناظرته مع نمرود قال: ربّي يُحيي ويُميت، قال: أنا اُحيي واُميت، فأطلق محبوساً وقتل رجلاً، فقال إبراهيم: ليس هذا بإحياء وإماتة، بل إحياء بردّ الروح إلى بدن الموتى، فقال نمرود: وهل عاينته؟ فلم يقدر أن يقول: نعم، وانتقل إلى تقرير آخر، ثمّ سأل ربّه أن يريه ليطمئنّ قلبه على الجواب إن سُئلَ عنه مرّةً اُخرى.۲
وقيل: قال عند ذلك: ربِّ أرني كيف تحيي الموتى لتنكشف هذه المسألة عند نمرود وأتباعه.۳
وقيل: روي بأنّه قال نمرود لإبراهيم عليه السلام: قل لربّك حتّى يُحيي وإلّا قتلتك، فسأل ذلك. وقوله: «لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِى» بقوّة حجّتي وبرهاني، وأنّ عدولي منها إلى غيرها ما كان بسبب ضعف تلك الحجّة، بل كان بسبب جهل المستمع.۴
وروى الصدوق رحمة اللَّه عليه في كتاب العيون عن الرضا عليه السلام أنّه قال له المأمون: أخبرني عن قول إبراهيم عليه السلام: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى» الآية، قال الرضا عليه السلام: «إنّ اللَّه - تبارك وتعالى - كان أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: إنّي متّخذ من عبادي خليلاً إن سألني إحياء الموتى أجبته، فوقع في نفس إبراهيم عليه السلام أنّه ذلك الخليل، فقال: «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى»، «قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ»، «قَالَ بَلى‏ وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» على الخلقة.۵
وروى بعض المفسّرين قريباً من ذلك عن ابن عبّاس وسعيد بن جبير والسّدي.۶ وقال بعضهم: إنّه عليه السلام إنّما سأل ذلك لقومه، وذلك أنّ [أتباع ]الأنبياء كان يطالبوهم بأشياء تارةً باطلة وتارةً حقّة، كقولهم لموسى: «اجْعَل لَّنَآ إِلَهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ»۷ فسأل ذلك إبراهيم. والمقصود أن يشاهده قومه فيزول الإنكار عن قلوبهم.۸

1.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۵۶۲.

2.عن محمّد بن إسحاق والقاضي. اُنظر: تفسير الرازي، ج ۷، ص ۴۱؛ تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۵۶۲.

3.اُنظر: تفسير البيضاوي، ج ۷، ص ۴۱.

4.تفسير الرازي، ج ۷، ص ۴۱ مع اختلاف في اللفظ.

5.عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج ۲، ص ۱۷۶، ح ۱ مع التلخيص.

6.تفسير الرازي، ج ۷، ص ۴۱.

7.الأعراف (۷): ۱۳۸.

8.نسبه الرازي في تفسيره، ج ۱، ص ۴۱ إلى القيل.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72719
صفحه از 568
پرینت  ارسال به