فَلَا يُلْهِيَنَّكُمُ الْأَمَلُ ، وَلَايَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَجَلُ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَمَدُ أَمَلِهِمْ ، وَتَغْطِيَةُ الْآجَالِ عَنْهُمْ، حَتّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ ، وَتُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ ، وَتَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ وَالنَّقِمَةُ .
وَقَدْ أَبْلَغَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَيْكُمْ بِالْوَعْدِ ، وَفَصَّلَ لَكُمُ الْقَوْلَ ، وَعَلَّمَكُمُ السُّنَّةَ ، وَشَرَّعَ۱ لَكُمُ الْمَنَاهِجَ۲ لِيُزِيحَ الْعِلَّةَ ، وَحَثَّ عَلَى الذِّكْرِ ، وَدَلَّ عَلَى النَّجَاةِ ، وَإِنَّهُ مَنِ انْتَصَحَ لِلَّهِ وَاتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلًا ، هَدَاهُ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وَوَفَّقَهُ لِلرَّشَادِ ، وَسَدَّدَهُ وَيَسَّرَهُ لِلْحُسْنى ، فَإِنَّ جَارَ اللَّهِ آمِنٌ مَحْفُوظٌ ، وَعَدُوَّهُ خَائِفٌ مَغْرُورٌ .
فَاحْتَرِسُوا مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ ، وَاخْشَوْا مِنْهُ بِالتُّقى ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ ، فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».۳
فَاسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَآمِنُوا بِهِ ، وَعَظِّمُوا اللَّهَ الَّذِي لَايَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللَّهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ ، فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَةُ اللَّهِ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ ، وَعِزَّ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا جَلَالُ اللَّهِ أَنْ يَذِلُّوا لَهُ ، وَسَلَامَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ ، فَلَا يُنْكِرُونَ أَنْفُسَهُمْ بَعْدَ حَدِّ الْمَعْرِفَةِ ، وَلَا يَضِلُّونَ بَعْدَ الْهُدى ، فَلَا تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الْأَجْرَبِ ، وَالْبَارِىَ مِنْ ذِي السُّقْمِ .
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْتَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ ، وَلَنْتَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ ، وَلَنْتَمَسَّكُوا بِهِ حَتّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ ، وَلَنْ تَتْلُوا الْكِتَابَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ حَتّى تَعْرِفُوا الَّذِي حَرَّفَهُ ، وَلَنْتَعْرِفُوا الضَّلَالَةَ حَتّى تَعْرِفُوا الْهُدى ، وَلَنْتَعْرِفُوا التَّقْوى حَتّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَعَدّى ؛ فَإِذَا عَرَفْتُمْ ذلِكَ ، عَرَفْتُمُ الْبِدَعَ وَالتَّكَلُّفَ ، وَرَأَيْتُمُ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ وَعَلى رَسُولِهِ ، وَالتَّحْرِيفَ لِكِتَابِهِ ، وَرَأَيْتُمْ كَيْفَ هَدَى اللَّهُ مَنْ هَدى ، فَلَايُجْهِلَنَّكُمُ الَّذِينَ لَايَعْلَمُونَ ، إِنَّ عِلْمَ الْقُرْآنِ لَيْسَ يَعْلَمُ مَا هُوَ إِلَّا مَنْ ذَاقَ طَعْمَهُ ، فَعُلِّمَ بِالْعِلْمِ جَهْلَهُ ، وَبُصِّرَ بِهِ عَمَاهُ ، وَسُمِّعَ بِهِ صَمَمَهُ ، وَأَدْرَكَ بِهِ عِلْمَ مَا فَاتَ ، وَحَيِيَ بِهِ بَعْدَ إِذْ مَاتَ .
وَأَثْبَتَ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ ذِكْرُهُ - الْحَسَنَاتِ ، وَمَحَا بِهِ السَّيِّئَاتِ ، وَأَدْرَكَ بِهِ رِضْوَاناً مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى .