385
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

(وقرآن قد بيّنه) أي أوضح ظاهره، بل باطنه أيضاً لأهله، وعرّف محكمه ومتشابهه ومطلقه ومقيّده وعامّه وخاصّه وسائر ما فيه.
(ليعلم العباد ربّهم إذ جهلوه) تعليل للبعث.
وقيل: في ذكر الربّ توبيخ لهم على الغفلة؛ إذ جهل المربوب بربّه دليل واضح على حمقه.۱(وليقرّوا به إذ جحدوه).
قال الفيروزآبادي: «الإقرار: الإذعان للحقّ».۲
وقال: «جحده حقّه وبحقّه - كمنعه - جحداً وجحوداً: أنكره مع علمه».۳(وليثبتوه بعد إذ أنكروه).
في القاموس: «أثبته: عرفه حقّ المعرفة».۴
وفيه: «أنكره، أي جهله».۵
وقيل: الظاهر أنّ المراد بالعلم هنا العلم التصوّري، وبالإقرار التصديق بوجوده، وبالإثبات الإقرار بوجوده لساناً، ففيه إشعار بأنّ العباد قبل البعثة لكونهم داخلين في الجهالة لم يدخل في قلوبهم تصوّر الصانع فضلاً عن الآخرين.
ويحتمل أن يُراد بالعلم العلم لصفاته، وبالإقرار التصديق بوجود ذاته، وبالإثبات إثباتهما على نحو ما نطقت به [السنّة و] الشرع؛ إذ بمجرّد معرفة الذات والصفات بدون معرفة وجه الارتباط بينهما لا يتحقّق معرفة الصانع والتوحيد المطلق.۶(فتجلّى لهم سبحانه في كتابه) أي ظهر وانكشف لهم في القرآن.
(من غير أن يكونوا رأوه) بالبصر، بل بما ينبّههم عليه في كتابه من قصص الأوّلين وما حلَّ بهم من النقمات بمخالفة الرسل ومن يحذو حذوهم، كما سينبّه عليه، وتحقيقه ما ذكره بعض المحقّقين من أنّ معناه انكشف لهم في كتابه عن الحجب المظلمة الطبيعيّة

1.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۶۰.

2.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۱۶ (قرر).

3.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۲۸۰ (جحد).

4.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۱۴۵ (ثبت).

5.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۴۸ (نكر).

6.القائل هو المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۶۰.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
384

وقيل: يعني عوده إلى الدعوة بعدما بدأ فيها، والمراد تكرير الدعوة.۱(عُذراً ونذراً).
قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «عُذْراً أَوْ نُذْراً»۲:
مصدران لعذر إذا محا الإساءة، وأنذر إذا خوّف، أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ونذير بمعنى الإنذار، أو بمعنى العاذر والمنذر، ونصبهما على الأوّلين بالعلّيّة، أي عذراً للمحقّين أو نذراً للمبطلين، أو البدليّة من ذكراً، وعلى الثالث بالحاليّة.۳
أقول: يحتمل هنا نصبهما على العلّيّة من قوله: بعث، أو الحاليّة من فاعله، ويمكن أن يُراد بالأوّل أنّه بعثه لأجل أن يكون له عذراً في عقوبتهم وتعذيبهم، قال اللَّه عزّ وجلّ: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً»۴.
وقوله عليه السلام: (بحكم قد فصّله) متعلّق بالبعث.
والمراد بالحكم ما يعمّ الشرعيّة والوضعيّة، وبتفصيله بيانه وإيضاحه بحيث يكون رافعاً للاشتباه. والحاصل أنّه تعالى بعثه مع أحكام مفصّلة بيّنة.
(وتفصيل قد أحكمه) أي أتقنه على وجه لا يجوز تبديله، ولا أن يقال: خلافه أحسن منه.
وقيل: لعلّ التفصيل إشارة إلى أنواع الفقه مثل العبادات والعقود وغيرها.۵(وفرقان قد فرقه).
الفرقان في الأصل مصدر فرق بين الشيئين: إذا فصل بينهما، سمّي به القرآن لفصله بين الحقّ والباطل بتقريره، أو المحقّ والمبطل بإعجازه، أو لكونه مفصولاً بعضه عن بعض في الإنزال.
(ولعلّ) معنى «فرقه» بالتخفيف أنّه تعالى نزّله منجّماً، أو فرق فيه الحقّ من الباطل، أو بالتشديد مبالغة في كثرة نجومه؛ فإنّه نزل في تضاعيف عشرين سنة ليكون أيسر للحفظ وأعون في الفهم، ويحتمل أن يُراد بالتفريق تعليقه بالأحكام المتفرّقة.

1.قاله المحقّق الفيض رحمة اللَّه عليه في الوافي، ج ۲۶، ص ۸۷، ذيل ح ۲۵۳۷۵.

2.المرسلات (۷۷): ۶.

3.تفسير البيضاوي، ج ۵، ص ۴۳۲.

4.الإسراء (۱۷): ۱۵.

5.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۶۰ مع التلخيص.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 98328
صفحه از 568
پرینت  ارسال به