ونقل الرازي في تفسيره عن الحسن والضحّاك وقتادة وابن جريح وعطاء أنّه عليه السلام رأى جيفة مطروحة في شطّ البحر، فإذا مدّ البحر أكل منها دوات البحر، وإذا جزر البحر جاءت السباع وأكلت، وإذا ذهبت السباع جاءت الطيور وأكلت وطارت، فقال إبراهيم: ربِّ أرني كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع والطيور ودوابّ البحر؟ فقيل: أوَلَم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن المطلوب من السؤال أن يصير العلم الاستدلالي ضروريّاً.۱
أقول: هذا الوجه الأخير قريب ممّا ذكر في الكتاب، وأنت خبير بأنّ اتّحاد المسبّب لا يوجب اتّحاد السبب.
وقوله: (قال: كيف تخرج ما تناسل الذي أكل بعضها بعضاً) تفسير لقوله تعالى: «كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى».
قال الفيروزآبادي: «النسل: الخلق، والولد. نَسَلَ: وَلَدَ، كأنسل. وتناسلوا: أنسل بعضهم بعضاً»۲ انتهى.
وفي بعض النسخ: «التي أكل»، وهو الظاهر؛ فإنّ في إرجاع ضمير «بعضها» على نسخة الأصل إلى الموصول إشكال، فتأمّل جدّاً.
والمستتر في «قال» لإبراهيم عليه السلام، و«تخرج» بصيغة الخطاب من الإخراج، وكلمة «ما» موصولة، و«تناسل» على نسخة الأصل بصيغة الماضي، وفاعله «الذي»، وعائد الموصول محذوف، وعلى ما في بعض النسخ بصيغة المضارع بحذف إحدى التائين، وكلمة «ما» عبارة عن أجزاء تلك الجيفة التي صارت في بدن الآكل منيّاً وكوّن منه حيوان آخر.
وحاصل السؤال أنّه إذا أكل بعض تلك الحيوانات بعضاً، وتولّد من تلك الأجزاء الغذائيّة مني وصار مادّة لحيوان آخر، فتلك الأجزاء مع أيّ من تلك الأبدان تعود وتحيى.
وقال بعض العلماء: «التي» بدل من «ما تناسل».۳
أقول: كلمة «ما» حينئذٍ عبارة عن الحيوانات الآكلة والمأكولة بعينها، لا ما تولّد منها. نعم، يفهم إخراج النسل منه التزاماً، كما لا يخفى.