41
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

كغزل العنكبوت؛ «وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ».۱
ثمّ اختلف المثبتون في كيفيّته، فمنهم من قال بإعادة البدن المعدوم بعينه، ومنهم من قال بأنّه يجمع اللَّه سبحانه أجزاءه المتفرّقة كما كانت أوّلاً.
وقيل: هم الذين ينكرون جواز إعادة المعدوم موافقة للفلاسفة.۲
قال المحقّق الدواني:
لا يُقال: لو ثبت استحالة إعادة المعدوم لزم بطلان الوجه الثاني أيضاً؛ لأنّ أجزاء بدن الشخص - كبدن زيد مثلاً - وإن لم يكن لها جزء صوري، لا يكون بدن زيد إلّا بشرط اجتماع خاصّ وشكل معيّن، فإذا تفرّق أجزاؤه وانتفى الاجتماع والشكل المعيّنان، لمَ يقال: بدن زيد؟ ثمّ إذا اُعيد، فإمّا أن يعاد ذلك الاجتماع والشكل بعينهما، أو لا. وعلى الأوّل يلزم إعادة المعدوم، وعلى الثاني لا يكون المعاد بعينه هو البدن الأوّل، بل مثله، ويكون حينئذٍ تناسخاً، ومن ثمّة قيل: ما من مذهب إلّا وللتناسخ فيه قدم راسخ؛ لأنّا نقول: إنّما يلزم التناسخ لو لم يكن البدن المحشور مؤلّفاً من الأجزاء الأصليّة للبدن، وأمّا إذا كان كذلك، فلا تستحيل إعادة الروح إليه، وليس ذلك من التناسخ، وإن سمّي ذلك تناسخاً كان مجرّد اصطلاح؛ فإنّ الذي دلّ على استحالته الدليل هو تعلّق نفس زيد ببدن آخر، لا يكون مخلوقاً من أجزاء بدنه. وأمّا تعلّقه بالبدن المؤلّف من أجزائه الأصليّة بعينها مع تشكّلها بشكل مثل السابق، فهو الذي نعنيه بالحشر الجسماني، وكون الشكل والاجتماع [بالشخص ]غير الشكل الأوّل والاجتماع السابق، لا يقدح في المقصود، وهو حشر الأشخاص الإنسانيّة بأعيانها؛ فإنّ زيداً - مثلاً - شخص واحد محفوظ وحدته الشخصيّة من أوّل العمر إلى آخره بحسب العرف والشرع، ولذلك يؤاخذ شرعاً بعد التبدّل بما لزمه قبله، فكما لا يتوهّم أنّ في ذلك تناسخاً لا ينبغي أن يتوهّم في هذه الصورة أيضاً، وإن كان الشكل الثاني مخالفاً للشكل الأوّل، كما ورد في الحديث: «أنّه يحشر المتكبّرون كأمثال الذرّ»،۳ وأنّ «ضرس الكافر مثل اُحُد»،۴ وأنّ «أهل

1.العنكبوت (۲۹): ۴۱.

2.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۳۹۵.

3.ثواب الأعمال، ص ۲۲۲ مع اختلاف في اللفظ.

4.مسند أحمد، ج ۳۲، ص ۵۳۷؛ سنن الترمذي، ج ۴، ص ۱۰۵، ح ۲۷۰۴.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
40

إذا عرفت هذا فنقول: لعلّه عليه السلام أراد بهذا السؤال أن يظهر للناس دفع شبهة بعض الملاحدة وتشكيكهم في المعاد، وتقريرها أنّ المعاد الجسماني غير ممكن؛ لأنّه لو أكل إنسان إنساناً حتّى صار جزء بدن المأكول جزء بدن الآكل، فهذا الجزء إمّا أن لا يعاد أصلاً وهو المطلوب، أو يُعاد في كلّ منهما، وهو محال؛ لاستحالة أن يكون جزء واحد بعينه في آنٍ واحد في شخصين متبائنين، أو يُعاد في أحدهما وحده فلا يكون الآخر معاداً بعينه، وهذا مع إفضائه إلى الترجيح بلا مرجّح يثبت مقصودنا، وهو أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها كما زعمتم.
واُجيب بأنّ المعاد هو الأجزاء الأصليّة، وهي الباقية من أوّل العمر إلى آخره، لا جميع الأجزاء على الإطلاق، وهذا الجزء فضلٌ في الإنسان الآكل، فلا يجب إعادته فيه. ثمّ إن كان من الأجزاء الأصليّة للمأكول أُعيد فيه وإلّا فلا.
واُورد عليه بأنّه يجوز أن يصير تلك الأجزاء الأصليّة للمأكول الفضليّة في الأكل نطفة وأجزاء أصليّة لبدن آخر، فيعود المحذور.
وردّ بأنّه لعلّ اللَّه تعالى يحفظها من أن تصير جزءاً لبدن آخر، فضلاً عن أن تصير جزءاً أصليّاً، وظاهر الآية على هذا التقصير إشارة إلى هذا السؤال والجواب.
والحاصل: أنّه تعالى يحفظ أجزاء المأكول الأصليّة في بدن الآكل وغيره، ويعود في المعاد إلى بدن المأكول، كما اُخرج تلك الأجزاء المختلطة والأعضاء الممتزجة من تلك الطيور الأربعة وميّز بينها.
ثمّ اعلم أنّ القول في المعاد الجسماني من ضروريّات أديان الشرايع والملل، وإنكاره صريحاً أو ضمناً كفرٌ وزندقة عند الجميع، والآيات المتظافرة في الكتب السماويّة صريحة في ذلك بحيث لا تقبل التأويل أصلاً، والأخبار المتواترة عند أرباب الملل في ذلك إلى حيث لا تُعدّ ولا تحصى، وقد نفاه كثيرٌ من الفلاسفة صريحاً، وبعضهم وإن تلقّاه بالقبول والاعتراف ظاهراً لكن يلزم من كلامه أشدّ الإنكار، وتمسّك النافون بوجوه سخيفة واهية مموّهة؛ منها: ما ذكر، ومنها: امتناع إعادة المعدوم، مع أنّهم لم يقيموا عليه دليلاً، بل ادّعوا تارةً البداهة في ذلك، وتارةً تمسّكوا بشبهات مزيّفة واهنة

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72715
صفحه از 568
پرینت  ارسال به