405
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

والحاصل: أنّ من عرف عظمة اللَّه وجلاله فينبغي له أن يعدّ حقيراً فيما ظهر من عظمته تعالى، أو يعلم أنّ العظمة مختصّة به تعالى، وأمّا غيره فإنّما يعدّ عظيماً بما أعاره اللَّه - عزّ وجلّ - من العظمة، فلا يجوز تعظيم أحد عليه، أو يُقال: إنّ غيره تعالى إنّما يكتسب العظمة بالتذلّل له والتواضع بين يديه والتقرّب إليه، فغاية العظمة والعزّة في العباد منوطة بنهاية التواضع والتذلّل منهم، ومن عرف قدرة اللَّه علم أنّه لا تكون السلامة إلّا بالانقياد له في جميع الاُمور.
(فلا ينكرون أنفسهم بعد حدّ المعرفة).
قال الفيروزآبادي: «نكر الأمر - كفرح - وأنكره: جهله».۱
وقال: «الحدّ: منتهى الشي‏ء، وتمييّز الشي‏ء عن الشي‏ء».۲
ولعلّ المراد لا يجهلون أنفسهم ومعايبها وعجزها بعدما عرفوها، أو لا يجهلون أنّ اللّائق بحالهم التواضع والمذلّة والاستسلام بعد معرفة عظمة اللَّه وجلاله وقدرته.
وفي بعض النسخ: «فلا يتذكّرون أنفسهم بعد حدّ المعرفة» ولعلّ المراد بالتذكّر التزكّي.
(فلا تنفروا) بضمّ الفاء وكسرها، من النفار - بالكسر - والنفور، وهو الاستكراه، والتباعد عن الحقّ.
(نفار الصحيح من الأجرب) أي من به علّة الجرب.
(والبارئ) بهمز اللّام.
(من ذي السقم).
قال الفيروزآبادي: «برأ المريض بُرءاً - بالضمّ - ككرم وفرح: نَقَه. وأبرأه اللَّه فهو بارئ وبرئ».۳
وقال: «السقم - كجبل وقفل - : المرض».۴
ولمّا كانت هناك اُمور مطلوبة يتحقّق وجودها واستقرارها باُمور مطلوبة اُخر وبها يتمّ

1.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۴۸ (نكر) مع التلخيص.

2.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۲۸۶ (حدد).

3.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۸ (برأ) مع التلخيص.

4.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۱۲۹ (سقم) مع التلخيص.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
404

«أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ» تقرير للقُرب، ووعدٌ للداعي بالإجابة.
«فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي» إذا دعوتهم للإيمان والطاعة، كما أجبتهم إذا دعوني لمهمّاتهم.
«وَلْيُؤْمِنُوا بِي» أمر بالثبات والمداومة عليه.
«لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»۱: راجين إصابة الرشد، وهو إصابة الحقّ. وقرئ بفتح الشين وكسرها۲ ، انتهى.
وقال الفيروزآبادي: «رشد - كنصر وفرح - رشداً ورشَدَاً ورشاداً: اهتدى».۳(فاستجيبوا للَّه) فيما أمركم به من الدّعاء، أو مطلقاً.
(وآمنوا به) أي بوعده الاستجابة، أو مطلقاً.
(وعظّموا اللَّه الذي لا ينبغي لمن عرف عظمة اللَّه) وضع الظاهر موضع الضمير دلالة على كمال العظمة.
(أن يتعظّم) أي يتكبّر.
وقوله: (فإنّ رفعة الذين يعلمون) إلى قوله: (يستسلموا له) تعليل لنفي التعظيم عمّن عرف عظمته تعالى.
قال الفيروزآبادي: «رفع - ككرم - رفاعة: صار رفيع الصوت. ورفعة - بالكسر - : شرف وعلا قدره، فهو رفيع».۴
وقال: «عزّ يعزّ عزّاً وعِزّةً - بكسرهما - : صار عزيزاً، وقوي بعد ذلّة»۵ انتهى.
والتواضع للَّه تعالى شامل للتواضع لأوليائه، والجلال والعظمة متقاربان، ولعلّ الأوّل باعتبار التنزّه عن صفات النقص، والثاني باعتبار الاتّصاف بصفات الكمال، أو يُراد بالأوّل العظمة باعتبار الصفات، وبالثاني باعتبار الذات، والذلّة له تعالى إنّما يكون بالعبوديّة وإظهار العجز والمسكنة لديه، والمراد بالسلامة السلامة من الآفات والمكاره في الدارين ، وبالاستسلام الإذعان والانقياد له في الاُمور كلّها للعلم بأنّ قدرته قاهرة غالبة لا رادّ لها في الإثابة والتعذيب.

1.البقرة (۲): ۱۸۶.

2.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۴۶۷.

3.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۲۹۴ (رشد).

4.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۳۰ (رفع).

5.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۸۲ (عزز) مع التلخيص.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72240
صفحه از 568
پرینت  ارسال به