407
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

(عرفتم البدع) بمعرفة من ترك الرشد؛ فإنّه أخذ بضدّه وهو البدع.
وعرفتم (التكلّف) بمعرفة ناقض الميثاق؛ فإنّه يتكلّف الوفاء بالميثاق ويتصنّع به، ويتعرّض لما لا يعنى وادّعى ما لا ينبغي، فإذا عرفته عرفت تكلّفه.
(ورأيتم الفرية على اللَّه وعلى رسوله) بمعرفة من نبذ الكتاب؛ لأنّه من أهل الفرية عليهما، ورأيتم (التحريف لكتابه) بمعرفة مَن حرّفه؛ لأنّ معرفته بمعرفة تحريفه.
(ورأيتم كيف هدى اللَّه مَن هدى) كأنّه ناظر إلى قوله: «ولن تعرفوا الضلالة» إلى قوله: «الذي تعدّى»، والمراد بمن هدى من هداه اللَّه وأرشده إلى ما لابدّ له في نظامه وبقائه واستقامته، وبصّره بطريق معرفته ومعرفة أوليائه، ووفّقه للعمل بسنّته.
والحاصل: أنّه لا يعرف الكتاب، ولا يمكن العمل به وحفظه إلّا بمعرفة حَمَلته ومعرفة مخالفيهم وأعدائهم المضيّعون له المتّصفون به، ولا تُعرف الهداية إلّا بمعرفة أهلها ومعرفة الضلالة وأهلها؛ فإنّ الأشياء إنّما تُعرف بأضدادها، وعلامة معرفتها التمييز بينها وبين معارضاتها ومخالفاتها.
(فلا يجهلنّكم) على بناء النهي من التجهيل.
قال الجوهري: «التجهيل: أن تنسبه إلى الجهل».۱ ولعلّ المراد هنا: لا يجعلنّكم منسوباً إلى الجهل.
(الذين لا يعلمون) الكتاب والسنّة، أو الذين ليس لهم حقيقة العلم بجهلهم وضلالتهم.
(إنّ علم القرآن).
قيل المراد علم القرآن والسنّة، ولم يذكرها؛ لأنّ علمها علم القرآن، وهي مفسّرة له في الحقيقة.
(ليس يعلم ما هو إلّا من ذاق طعمه) فعرف حقيقته وكيفيّته وأنواعه كما تعرف المذوقات وكيفيّاتها وأنواعها بالذوق.
وفيه استعارة تمثيليّة، أو مكنيّة وتخييليّة.۲

1.الصحاح، ج ۴، ص ۱۶۶۳ (جهل).

2.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۶۸ مع اختلاف يسير في اللفظ.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
406

نظام الدِّين والدنيا، وأشار عليه السلام إليها وحثّ عليها بقوله: (واعلموا أنّكم لن تعرفوا الرُّشد)بالضمّ وبالتحريك (حتّى تعرفوا الذي تركه)؛ الضمير للرشد، والموصول مفعول «تعرفوا».
قال بعض الشارحين:
لا يُقال: معرفة تارك الرشد متوقّف على معرفة الرشد، فلو انعكس لزم الدور؛ لأنّا نقول: المراد أنّ هاتين المعرفتين ينبغي أن تكونا معاً إذ انتفاء الثانية يؤدّي إلى متابعة تارك الرشد غالباً، وذلك يوجب انتفاء الاُولى أيضاً. أو نقول: معرفة الرشد كناية عن الثبات والاستمرار عليه، وهو متوقّف على معرفة تارك الرشد للتحرّز عن متابعته، وهذه المعرفة تتوقّف على معرفة الرشد لا على الثبات عليه، فلا دور، وقس عليه البواقي.۱(ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الذي نقضه)؛ الضمير للميثاق، ويدخل في ميثاق الكتاب العهد بالولاية ومتابعة أهلها.
(ولن تمسّكوا به حتّى تعرفوا الذي نبذه)؛ الضمير في الموضعين للكتاب.
قال الجوهري: «أمسكت الشي‏ء وتمسّكت به واستمسكت به كلّه بمعنى اعتصمت [به‏]، وكذلك مسّكت به تمسيكاً».۲
وقال: «نبذ ينبذ: ألقاه من يده. ونبّذه مبالغة».۳(ولن تعرفوا الضلالة) التي هي الضياع والهلاك بسبب التحيّر والخروج عن قصد السبيل.
(حتّى تعرفوا الهدى) أي الرشاد والاهتداء إلى الصراط المستقيم؛ ضرورة أنّ الخروج عن الشي‏ء لا يعرف بدون معرفة ذلك الشي‏ء.
وإنّما غيّر الاُسلوب للإشعار بأنّ عكس الفقرات السابقة واللّاحقة أيضاً صحيح، وثمرة الإشعار إفادة التلازم بين المعرفتين.
(ولن تعرفوا التقوى حتّى تعرفوا الذي تعدّى)؛ لأنّ عدم معرفة المتعدّي عن حدود اللَّه تؤدّي غالباً إلى الاقتداء به، وهو ينافي معرفة التقوى والثبات عليها.
(فإذا عرفتم ذلك) المذكور الذي هو تارك الرُّشد وأشباهه.

1.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۶۷ و ۵۶۸.

2.الصحاح، ج ۴، ص ۱۶۰۸ (مسك).

3.الصحاح، ج ۲، ص ۵۷۱ (نبذ).

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72213
صفحه از 568
پرینت  ارسال به