كغزل العنكبوت؛ «وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ».۱
ثمّ اختلف المثبتون في كيفيّته، فمنهم من قال بإعادة البدن المعدوم بعينه، ومنهم من قال بأنّه يجمع اللَّه سبحانه أجزاءه المتفرّقة كما كانت أوّلاً.
وقيل: هم الذين ينكرون جواز إعادة المعدوم موافقة للفلاسفة.۲
قال المحقّق الدواني:
لا يُقال: لو ثبت استحالة إعادة المعدوم لزم بطلان الوجه الثاني أيضاً؛ لأنّ أجزاء بدن الشخص - كبدن زيد مثلاً - وإن لم يكن لها جزء صوري، لا يكون بدن زيد إلّا بشرط اجتماع خاصّ وشكل معيّن، فإذا تفرّق أجزاؤه وانتفى الاجتماع والشكل المعيّنان، لمَ يقال: بدن زيد؟ ثمّ إذا اُعيد، فإمّا أن يعاد ذلك الاجتماع والشكل بعينهما، أو لا. وعلى الأوّل يلزم إعادة المعدوم، وعلى الثاني لا يكون المعاد بعينه هو البدن الأوّل، بل مثله، ويكون حينئذٍ تناسخاً، ومن ثمّة قيل: ما من مذهب إلّا وللتناسخ فيه قدم راسخ؛ لأنّا نقول: إنّما يلزم التناسخ لو لم يكن البدن المحشور مؤلّفاً من الأجزاء الأصليّة للبدن، وأمّا إذا كان كذلك، فلا تستحيل إعادة الروح إليه، وليس ذلك من التناسخ، وإن سمّي ذلك تناسخاً كان مجرّد اصطلاح؛ فإنّ الذي دلّ على استحالته الدليل هو تعلّق نفس زيد ببدن آخر، لا يكون مخلوقاً من أجزاء بدنه. وأمّا تعلّقه بالبدن المؤلّف من أجزائه الأصليّة بعينها مع تشكّلها بشكل مثل السابق، فهو الذي نعنيه بالحشر الجسماني، وكون الشكل والاجتماع [بالشخص ]غير الشكل الأوّل والاجتماع السابق، لا يقدح في المقصود، وهو حشر الأشخاص الإنسانيّة بأعيانها؛ فإنّ زيداً - مثلاً - شخص واحد محفوظ وحدته الشخصيّة من أوّل العمر إلى آخره بحسب العرف والشرع، ولذلك يؤاخذ شرعاً بعد التبدّل بما لزمه قبله، فكما لا يتوهّم أنّ في ذلك تناسخاً لا ينبغي أن يتوهّم في هذه الصورة أيضاً، وإن كان الشكل الثاني مخالفاً للشكل الأوّل، كما ورد في الحديث: «أنّه يحشر المتكبّرون كأمثال الذرّ»،۳ وأنّ «ضرس الكافر مثل اُحُد»،۴ وأنّ «أهل
1.العنكبوت (۲۹): ۴۱.
2.قاله العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۳۹۵.
3.ثواب الأعمال، ص ۲۲۲ مع اختلاف في اللفظ.
4.مسند أحمد، ج ۳۲، ص ۵۳۷؛ سنن الترمذي، ج ۴، ص ۱۰۵، ح ۲۷۰۴.