43
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

إلّا على إعادة ذلك الشخص، بمعنى أنّه يحكم عليه عرفاً أنّه ذلك الشخص، وربما يعضد ذلك قوله تعالى: «أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ»۱ وقوله تعالى: «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ»۲.
وسأل ابن أبي العوجاء أبا عبداللَّه عليه السلام عن الآية الأخيرة وقال: ما ذنب الغير؟ فقال عليه السلام: «ويحك هي هي، وهي غيرها». قال: فمثّل لي ذلك شيئاً من أمر الدُّنيا؟ قال: «نعم، أرأيت لو أنّ رجلاً أخذ لبنة، فكسرها، ثمّ ردّها في ملبنها، فهي هي وهي غيرها»۳ على أنّا لم نكلّف إلّا بالتصديق بالحشر الجسماني مجملاً، ولم نكلّف بالعلم بكيفيّتها، وربّما يؤدّي التفكّر في ذلك [إلى القول‏] بشي‏ء مخالف للواقع، ولم نكن معذورين في ذلك وبعدما علم أصل الحشر بالنصوص القطعيّة وضرورة الدِّين، فلا يجوز للعاقل أن يصغي إلى شبه الملحدين.۴«قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ» بأنّي قادر على ذلك الإحياء بإعادة التركيب والحياة، وإنّما قال له ذلك مع علمه تعالى بأنّه أعرف الناس في الإيمان؛ ليجيب بما أجاب، فيعلم السامعون غرضه من هذا السؤال.
«قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي».
قال البيضاوي: «أي بلى آمنت، ولكن سألت لأزيد بصيرة وسكون قلب بمضامّة العيان الفطري والاستدلال النظري».۵
وقال بعض الشارحين:
أي ليطمئنّ قلبي بحصول المطلوب عياناً؛ فإنّ القلب إذا طلب شيئاً ولم يجده اضطرب، فإذا وجده اطمأنّ.
قال:
وهذا أحسن ممّا قاله بعض المفسّرين من زيادة البصيرة وسكون القلب؛ لأنّ

1.يس (۳۶): ۸۱.

2.النساء (۴): ۵۶.

3.الاحتجاج، ج ۲، ص ۱۰۴.

4.القائل هو العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۳۹۶ و ۳۹۷.

5.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۵۶۳ مع اختلاف في اللفظ.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
42

الجنّة جردٌ مردٌ مكتحلون».۱
والحاصل: أنّ المعاد الجسماني عبارة عن عود النفس إلى بدن، وهو ذلك البدن بحسب العرف والشرع، ومثل ذلك التبدلّات والمغايرات التي لا يقدح في الوحدة بحسب العرف والشرع لا يقدح في كون المحشور هو المبدأ، فافهم، انتهى.۲
وقال بعض الأفاضل:
خلاصة القول في ذلك أنّ للناس في تفرّق الجسم واتّصاله مذاهب؛ فالقائلون بالهيولى يقولون بانعدام الصورة الجسميّة والنوعيّة عند تفرّق الجسم، والنافون للهيولى كالمحقّق الطوسي‏۳ يقولون ببقاء الصورة الجسميّة في الحالين، لكن لا ينفعهم ذلك في التفصّي عن القول بإعادة المعدوم؛ إذ ظاهر أنّه إذا اُحرق جسد زيد وذرّت الرياح رماده في المشرق والمغرب، لا يبقى تشخّص زيد، بل لابدّ من عود تشخّصه بعد انعدامه.
والقائلون بالجزء أيضاً ظنّوا أنّهم قد فرّوا من ذلك؛ لأنّهم يقولون بتفرّق الأجزاء واتّصالها من غير أن يعدم شي‏ء من الأجزاء، ويلزمهم ما يلزم الآخرين بعينه، كما ذكره المحقّق الدواني.
نعم، ذكر بعض المتكلّمين أنّ تشخّص الشخص إنّما هو بالأجزاء الأصليّة المخلوقة من المني، وتلك الأجزاء باقية في مدّة حياة الشخص وبعد موته وتفرّق أجزائه، فلا يعدم التشخّص أصلاً،۴ وربّما يستدلّ عليه ببعض النصوص، وعلى هذا لو عدم بعض العوارض الغير المشخّصة، واُعيد بدلها، لا يقدح في كون الشخص باقياً بعينه.
إذا عرفت هذا، فاعلم أنّ القول بالمعاد على تقدير عدم القول بامتناع إعادة المعدوم حيث لم يتمّ الدليل عليه بيّن لا إشكال فيه، وعلى القول به يمكن أن يُقال: يكفي في المعاد كونه مأخوذاً من تلك المادّة بعينها، أو من تلك الأجزاء بعينها، مع كونه شبيهاً بذلك الشخص في الصفات والعوارض، بحيث لو رأيته لقلت: فلان؛ إذ مدار اللّذات والآلام على الروح، ولو بواسطة الآلات، وهو باقٍ بعينه، ولا يدلّ النصوص

1.مستدرك الوسائل، ج ۸، ص ۴۱۱، ح ۹۸۲۶.

2.نقل عنه العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۳۹۵ و ۳۹۶.

3.اُنظر: كشف المراد، ص ۲۲۹.

4.اُنظر: كشف المراد، ص ۵۴۹؛ بحار الأنوار، ج ۷، ص ۴۳، ذيل ح ۲۱.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72712
صفحه از 568
پرینت  ارسال به