91
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

وقيل: صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت، لها رأس وذنب كرأس الهرّة وذَنَبها، وجناحان فتئن فيزفّ التابوت نحو العدوّ، وهم يتبعونه، فإذا استقرّ ثبتوا وسكنوا ونزل النصر. وقيل: صور الأنبياء من آدم إلى محمّد صلى اللَّه عليه وآله. وقيل: التابوت هو القلب، والسكينة ما فيه من العلم والإخلاص، وإتيانه مصير قلبه مقرّاً للعلم والوقار بعد أن لم يكن.
«وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ» رضاض الألواح، وعصا موسى، وثيابه، وعمامة هارون، وآلهما أبناؤهما أو أنفسهما، والآل مقحم لتفخيم شأنهما، أو أنبياء بني إسرائيل؛ لأنّهم أبناء عمّهما.۱
وقوله عليه السلام: (فجاءت به الملائكة تحمله) إشارة إلى قوله تعالى: «تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ».
قال البيضاوي:
قيل: رفعه اللَّه بعد موسى، فنزلت به الملائكة وهم ينظرون إليه. وقيل: كان بعده مع أنبيائهم يستفتحون به حتّى أفسدوا، فغلبهم الكفّار عليه، وكان في أرض جالوت إلى [أن‏] ملك اللَّه طالوت، فأصابهم ببلاء حتّى هلكت خمس مدائن، فتشأّموا بالتابوت، فوضعوه على ثورين، فساقتهما الملائكة إلى طالوت، انتهى.۲
وسيجي‏ء لهذا زيادة تحقيق إن شاء اللَّه تعالى.
وقال بعض الأفاضل:
في الآية رمز إلى أنّ سبط النبيّ والملك أولى بالملك والخلافة إلّا أن يختار اللَّه تعالى غيره، ويتحقّق الآية فيه، فكيف يجوز ردّ الملك والخلافة عن أسباط خاتم الأنبياء مع تحقّق الاختيار والآية فيهم؟ انتهى.۳
ثمّ قال اللَّه عزّ وجلّ: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ».
قال البيضاوي:
انفصل بهم عن بلده لقتال العمالقة، وأصله فصل نفسه عنه، ولكن لمّا كثر حذف مفعوله صار كاللازم. روي أنّه قال لهم: لا يخرج معي إلّا الشابّ النشيط الفارغ، فاجتمع إليه ممّن اختاره ثمانون ألفاً، وكان الوقت قيظاً، فسلكوا مفازة، وسألوا أن يجري اللَّه نهراً.

1.من قوله: «وقيل: صورة» إلى هنا كلام البيضاوي.

2.تفسير البيضاوى، ج ۱، ص ۵۴۴ و ۵۴۵.

3.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۴۵.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
90

قادراً على الاستبداد به».۱«قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»۲.
قال البيضاوي:
لمّا استبعدوا تملّكه لفقره، وسقوط نسبه، ردَّ عليهم ذلك أوّلاً: بأنّ العمدة فيه اصطفاء اللَّه، وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم.
وثانياً: بأنّ الشرط فيه وفور العلم ليتمكّن به من معرفة الاُمور السياسيّة، وجسامة البدن ليكون أعظم خطراً في القلوب وأقوى على مقاومة العدوّ ومكابدة الحرب، لا ما ذكرتم، وقد زاده اللَّه فيهما.
وثالثاً: بأنّه تعالى مالك الملك على الإطلاق، فله أن يؤتيه مَن يشاء.
ورابعاً: بأنّه واسع الفضل يوسع على الفقير ويُغنيه، عليم بمن يليق بالملك من النسيب وغيره.۳«وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ» لمّا طلبوا منه الحجّة على أنّه سبحانه اصطفى طالوت وملّكه عليهم: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ».
قال الجوهري في الأجوف الوادي: «التابوت، أصله تابُوَة مثل ترقوة، وهو فعلوة، فلمّا سكّنت الواو وانقلبت هاء التأنيث تاء».۴
وقال البيضاوي:
التابوت: الصندوق، فعلوت من التوب، [وهو الرجوع‏] فإنّه لا يزال يرجع إلى ما يخرج منه، وليس بفاعول يريد به صندوق التوراة، وكان من خشب الشمشاد مموّهاً بالذهب نحواً من ثلاثة أذرع في ذرعين.۵«فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ».
الضمير للإتيان، أي في إتيانه سكونٌ لكم وطمأنينة. أو للتابوت، أي يودع فيه ما تسكنون إليه، وهو التوراة، ولأنّ موسى‏ عليه السلام إذا قاتل قدّمه فتسكن بني إسرائيل ولا يفرّون.

1.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۳۲۰ (ملك).

2.البقرة (۲): ۲۴۵ - ۲۴۷.

3.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۵۴۳ و ۵۴۴ مع التلخيص.

4.الصحاح، ج ۱، ص ۹۲ (توب).

5.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۵۴۴ مع التلخيص.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72251
صفحه از 568
پرینت  ارسال به