اقتصر على الغرفة كفته لشربه وإداوته، ومن لم يقتصر غلب عليه واسودّت شفته ولم يقدر أن يمضي، وهكذا [الدنيا] لقاصد الآخرة.
ثمّ قال اللَّه عزّ وجلّ: «فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» أي القليل الذين لم يخالفوه.
«قَالُوا» أي بعضهم لبعض.
«لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» لكثرتهم وقوّتهم.
«وَقَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ» أي قال الخلّص منهم الذين تيقّنوا لقاء اللَّه وتوقّعوا ثوابه، أو علموا أنّهم يستشهدون عمّا قريب فيلقون اللَّه. وقيل: هم القليل الذين ثبتوا معه. والضمير في «قالوا» للكثير المنخذلين عنه اعتذاراً في التخلّف وتخذيلاً للقليل، وكأنّهم تقاولوا به والنهر بينهما: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ» بحكمه وتيسيره، و«كم» تحتمل الخبر والاستفهام، و«من» مزيدة أو مبيّنة، والفئة: الفرقة من الناس.
«وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» بالنصر والإثابة.
«وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» أي ظهروا لهم ودنوا منهم.
«قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»التجأوا إلى اللَّه بالدّعاء.۱
كذا ذكره البيضاوي.
إذا عرفت فاعلم أنّ قوله عليه السلام: (فلمّا برزوا قال الذين اغترفوا:«لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» إشارة إلى أنّ الضمير في قوله تعالى: «قالوا» راجع إلى الذين اغترفوا غرفة بقدر الرخصة، لا إلى الكثير المنخذلين الشاربين زائداً على قدر الرخصة، كما نقلنا آنفاً عن البيضاوي.
وقوله: (وقال الذين لم يغترفوا) إلى آخره، إشارة إلى تفسير قوله تعالى: «وَقَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ» الآية، وأنّهم هم الذين لم يشربوا أصلاً، فتأمّل.
وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن