93
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

اقتصر على الغرفة كفته لشربه وإداوته، ومن لم يقتصر غلب عليه واسودّت شفته ولم يقدر أن يمضي، وهكذا [الدنيا] لقاصد الآخرة.
ثمّ قال اللَّه عزّ وجلّ: «فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» أي القليل الذين لم يخالفوه.
«قَالُوا» أي بعضهم لبعض.
«لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» لكثرتهم وقوّتهم.
«وَقَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ» أي قال الخلّص منهم الذين تيقّنوا لقاء اللَّه وتوقّعوا ثوابه، أو علموا أنّهم يستشهدون عمّا قريب فيلقون اللَّه. وقيل: هم القليل الذين ثبتوا معه. والضمير في «قالوا» للكثير المنخذلين عنه اعتذاراً في التخلّف وتخذيلاً للقليل، وكأنّهم تقاولوا به والنهر بينهما: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ» بحكمه وتيسيره، و«كم» تحتمل الخبر والاستفهام، و«من» مزيدة أو مبيّنة، والفئة: الفرقة من الناس.
«وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» بالنصر والإثابة.
«وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» أي ظهروا لهم ودنوا منهم.
«قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»التجأوا إلى اللَّه بالدّعاء.۱
كذا ذكره البيضاوي.
إذا عرفت فاعلم أنّ قوله عليه السلام: (فلمّا برزوا قال الذين اغترفوا:«لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» إشارة إلى أنّ الضمير في قوله تعالى: «قالوا» راجع إلى الذين اغترفوا غرفة بقدر الرخصة، لا إلى الكثير المنخذلين الشاربين زائداً على قدر الرخصة، كما نقلنا آنفاً عن البيضاوي.
وقوله: (وقال الذين لم يغترفوا) إلى آخره، إشارة إلى تفسير قوله تعالى: «وَقَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ» الآية، وأنّهم هم الذين لم يشربوا أصلاً، فتأمّل.
وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن

1.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۵۴۷ و ۵۴۸ مع التلخيص.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
92

«قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ» أي يعاملكم معاملة المختبر بما اقترحتموه.۱
قال الشيخ الطبرسي رحمة اللَّه عليه:
اختلف في النهر الذي ابتلوا به؛ قيل: هو نهر بين الاُردن وفلسطين. عن قتادة والربيع. وقيل: هو نهر فلسطين. عن ابن عبّاس والسّدي،۲ انتهى.
اعلم أنّ الظاهر من السياق والمشهور بين المفسّرين أنّ فاعل «قال» طالوت، وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن الحسين بن خالد، عن الرضا عليه السلام إلى أن قال: ««وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ»: يا بني إسرائيل: «إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ» في هذه المفازة».۳
وسنذكر الخبر بتمامه إن شاء اللَّه تعالى.
ويمكن الجمع بينهما على القول بنبوّة طالوت - كما ذهبت إليه جماعة - بأنّه علم ذلك بالوحي. وأمّا على القول بعدمها فيمكن أن يُقال بصدور هذا القول من نبيّهم ومن طالوت أيضاً بأخبار النبيّ.
«فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي».
قال البيضاوي:
أي فليس من أشياعي، أو ليس بمتّحد معي.
«وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي» أي من لم يذقه، من طعم الشي‏ء: إذا ذاقه مأكولاً أو مشروباً.
«إِلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» استثناء من قوله: «فمن شرب»، وإنّما قدّمت عليه الجملة الثانية للعناية بها، والمعنى الرخصة في القليل دون الكثير.۴
وقوله عليه السلام: (فشربوا منه إلّا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، منهم مَن اغترف، ومنهم من لم يشرب) تفسير لقوله تعالى: «فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ» أي أفرطوا في الشرب، وتجاوزا عن حدّ الرخصة، وهو الغرفة.
قال البيضاوي:
القليل كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وقيل: ألفاً. وقيل: ثلاثة آلاف. روي أنّ من

1.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۵۴۵.

2.مجمع البيان، ج ۲، ص ۱۴۷.

3.تفسير القمّي، ج ۱، ص ۸۲ و ۸۳.

4.تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۵۴۵ مع التلخيص.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72218
صفحه از 568
پرینت  ارسال به