95
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

قال اللَّه: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ» وقال: البقيّة ذرّية الأنبياء. قوله: «فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ»؛ فإنّ التابوت كان يوضع بين يدي العدوّ وبين المسلمين، فيخرج منه ريحٌ طيّبة لها وجه كوجه الإنسان.
حدّثني أبي، عن الحسن بن خالد، عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «السكينة ريح من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان، فكان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفّار فإن تقدّم التابوت رجل لا يرجع حتّى يُقتل أو يُغلب، ومَن رجع عن التابوت كفر وقتله الإمام، فأوحى اللَّه إلى نبيّهم أنّ جالوت يقتله من يستوي عليه دِرع موسى‏ عليه السلام، وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب عليه السلام اسمه داود بن آسي، وكان آسي راعياً، وكان له عشرة بنين أصغرهم داود، فلمّا بعث طالوت إلى بني إسرائيل وجمعهم لحرب جالوت بعث إلى آسي أن أحضِر ولدك، فلمّا حضروا دعا واحداً واحداً من ولده فألبسه درع موسى‏ عليه السلام، فمنهم من طالت عليه، ومنهم مَن قصرت عنه، فقال لآسي: هل خلّفت من ولدك أحداً؟ قال: نعم، أصغرهم تركته في الغنم راعياً،۱ فبعث إليه فجاء به فلمّا [دعا ]أقبل ومعه مقلاع، قال فنادته ثلاث صخرات في طريقه فقالت: يا داود، خذنا، فأخذها في مخلاته، وكان شديد البطش قويّاً في بدنه شجاعاً، فلمّا جاء إلى طالوت ألبسه درع موسى فاستوت عليه، ف «فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ» وقال لهم نبيّهم: يا بني إسرائيل «إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ»في هذه المفازة «فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ»فليس من اللَّه، ومن لم يشرب فهو من اللَّه «إِلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» فلمّا وردوا النهر أطلق اللَّه لهم أن يغرف كلّ واحد غرفة، «فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ» فالذين شربوا كانوا ستّين ألفاً، وهذا امتحان امتحنوا به كما قال اللَّه».۲
وروي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً، فلمّا جاوزوا النهر ونظروا إلى جنود جالوت قال الذين شربوا: «لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» وقال الذين لم يشربوا: «قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» فجاء داود عليه السلام، فوقف بحذاء جالوت [وكان جالوت ]على

1.في المصدر: «يرعاها».

2.تفسير القمّي، ج ۱، ص ۸۱ و ۸۲ مع اختلاف يسير في اللفظ.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
94

هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام عملوا بالمعاصي، وغيّروا دين اللَّه، وعتوا عن أمر ربّهم، وكان فيهم نبيّ يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه - وروي أنّه ارميا النبيّ - فسلّط اللَّه عليهم جالوت وهو من القبط، فأذلّهم، وقتل رجالهم، وأخرجهم من ديارهم وأموالهم، واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيّهم وقالوا: سل اللَّه أن يبعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل اللَّه، وكانت النبوّة في بني إسرائيل في بيت، والملك والسلطان في بيت آخر، لم يجمع اللَّه لهم النبوّة والملك في بيت [واحد]، فمن ذلك [قالوا:]«ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فقال لهم نبيّهم: «هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا» وكان كما قال اللَّه تبارك وتعالى:
«فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ»«فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً» فغضبوا من ذلك و «قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ» وكانت النبوّة في ولد لاوي، والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد ابن يامين أخي يوسف لاُمّه لم يكن من بين النبوّة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيّهم: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» وكان أعظمهم جسماً، وكان شجاعاً قويّاً، وكان أعلمهم إلّا أنّه كان فقيراً، فعابوه بالفقر، فقالوا: لم يؤت سعةً من المال، فقال لهم نبيّهم: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ»۱وكان التابوت الذي أنزله اللَّه على اُمّ موسى‏ فوضعته فيه اُمّه وألقته في اليمّ، فكان في بني إسرائيل يتبرّكون به، فلمّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح وذرعَهُ وما كان عنده من آيات النبوّة، وأودعه يوشع وصيّه، فلم يزل التابوت بينهم حتّى استخفّوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزَل بنو إسرائيل في عزّ وشرف ما دام التابوت عندهم، فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتابوت رفعه اللَّه عنهم، فلمّا سألوا النبيّ بعث اللَّه إليهم طالوت ملكاً۲ يقاتل معهم ردّ اللَّه عليهم التابوت»۳ كما

1.البقرة (۲): ۲۴۶ - ۲۴۸.

2.في المصدر: «بعث اللَّه طالوت عليهم» بدل «بعث اللَّه إليهم طالوت ملكاً».

3.تفسير القمّي، ج ۱، ص ۸۱ و ۸۲.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72188
صفحه از 568
پرینت  ارسال به