97
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

ملك بني [إسرائيل‏] فادّهن رأسه به وملّكه عليهم، فقاسوا أنفسهم بالعصار، فلم يكونوا مثلها، وقيل: كان طالوت دبّاغاً، وقيل: كان سقّاء يسقي الماء ويبعيه، فضلّ حماره، فانطلق يطلبه، فلمّا اجتاز بالمكان الذي فيه اشمويل دخل يسأله أن يدعو له ليردّ اللَّه حماره، فلمّا دخل نشّ الدّهن، فقاسوه بالعصا فكان مثلها، فقال لهم نبيّهم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً» وهو طالوت، وبالسريانيّة شاول بن قيس بن أنمار بن ضرار بن يحرف بن يفتح بن أيش بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق، فقالوا له: ما كنت قطّ أكذب منك الساعة ونحن من سبط المملكة، ولم يؤت طالوت سعةً من المال فنتّبعه، فقال اشمويل: «قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» فقالوا: إن كنت صادقاً فأتِ بآية، فقال: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ» والسكينة رأس هرّ، وقيل: طست من ذهب يغسل فيه قلوب الأنبياء، وقيل غير ذلك، وفيه الألواح وهي من درّ وياقوت وزبرجد. وأمّا البقيّة فهي عصا موسى‏ ورضاضة الألواح، فحملته الملائكة، وأتت به إلى طالوت نهاراً بين السماء والأرض والناس ينظرون، فأخرجه طالوت إليهم، فأقرّوا بملكه ساخطين، وخرجوا معه كارهين وهم ثمانون ألفاً، فلمّا خرجوا قال لهم طالوت: «إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي» وهو نهر فلسطين، وقيل: هو الأردن، فشربوا [منه‏] إلّا قليلاً وهم أربعة آلاف، فمن شرب منه عطش، ومَنْ لم يشرب منه إلّا غرفةً روى، «فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» لقيهم جالوت وكان ذا بأسٍ شديد، فلمّا رأوه رجع أكثرهم وقالوا: «لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ»، ولم يبق معه غير ثلاثمائة وبضعة عشرة عدّة أهل بدر، فلمّا رجع من رجع قالوا: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» وكان فيهم يشا أبو داود ومن معه من أولاده ثلاثة عشر إبناً، وكان داود أصغر بنيه، وقد خلّفه يرعى لهم ويحمل إليهم الطعام، وكان قد قال لأبيه ذات يوم: يا أبتاه، ما أرمي بقذافتي شيئاً إلّا صرعته، وقال له: لقد دخلت بين الجبال، فوجدتُ تسداً۱ رابضاً، فركبتُ عليه وأخذتُ بإذنه فلم أخفه، ثمّ أتاه يوماً آخر فقال: إنّي لأمشي بين الجبال، فاُسبِّح فما يبقى جبل إلّا سبّحَ معي. قال: أبشر فإنّ هذا خيرٌ أعطاكه اللَّه،

1.في المصدر: «أسداً».


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
96

الفيل، وعلى رأسه التاج، وفي جبهته ياقوتة يلمع نورها، وجنوده بين يديه، فأخذ داود من تلك الأحجار حجراً فرمى‏ به في ميمنة جالوت، فمرَّ في الهواء ووقع فيهم‏۱ فانهزموا، وأخذ حجراً اُخرى فرمى‏ به في ميسرة جالوت فانهزموا، فرمى‏ جالوت بحجر [ثالث ]فصكّ الياقوتة في جبهته، ووصل إلى دماغه، ووقع إلى الأرض ميّتاً، وهو قوله: «فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ»».۲
وروى الحميري في كتاب قرب الإسناد عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن اسباط، عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال: «السكينة ريح تخرج من الجنّة، لها صورة كصورة الإنسان، ورائحة طيّبة، وهي التي اُنزلت على إبراهيم عليه السلام، فأقبلت تدور حول أركان البيت، وهي يضع الأساطين من التي قال: «فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ»» قال: «تلك السكينة كانت في التابوت، وكانت فيها طست تغسل فيها قلوب الأنبياء، وكانت التابوت يدور في بني إسرائيل مع الأنبياء عليهم السلام».۳
وقال ابن الأثير في الكامل وغيره من المؤرِّخين والمفسِّرين:
إنّ بني إسرائيل لمّا طال عليهم البلاء، وطمع فيهم الأعداء، وأخذ التابوت منهم، فصاروا بعده لا يلقون ملكاً إلّا خائفين، فقصدهم جالوت،۴ وكان ملكه ما بين مصر وفلسطين، فظفر بهم، وضرب عليهم الجزية، وأخذ منهم التوراة، فدعوا اللَّه أن يبعث لهم نبيّاً يقاتلون معه، فبعث اللَّه إليهم اشمويل، فدعاهم فكذّبوه، ثمّ أطاعوه، فأقام يدبّر أمرهم عشر سنين، وقيل: أربعين سنة، وكانت العمالقة مع مَلِكهم جالوت، وقد عظمت نكايتهم في بني إسرائيل حتّى كادوا يهلكونهم، فلمّا رأى بنو إسرائيل ذلك قالوا: «ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا» ، فدعا اللَّه فأرسل إليه عصا وقرناً فيه دهن، وقيل له: إنّ صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا، فإن ادخل عليك رجل فنشّ الدّهن الذي في القرن، فهو

1.في المصدر: «عليهم».

2.تفسير القمّي، ج ۱، ص ۸۲ و ۸۳ مع اختلاف يسير في اللفظ.

3.قرب الإسناد، ص ۳۷۲ و ۳۷۳، ح ۱۳۲۷ مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.

4.في المصدر: + «ملك الكتعانيّين».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 72040
صفحه از 568
پرینت  ارسال به