ملك بني [إسرائيل] فادّهن رأسه به وملّكه عليهم، فقاسوا أنفسهم بالعصار، فلم يكونوا مثلها، وقيل: كان طالوت دبّاغاً، وقيل: كان سقّاء يسقي الماء ويبعيه، فضلّ حماره، فانطلق يطلبه، فلمّا اجتاز بالمكان الذي فيه اشمويل دخل يسأله أن يدعو له ليردّ اللَّه حماره، فلمّا دخل نشّ الدّهن، فقاسوه بالعصا فكان مثلها، فقال لهم نبيّهم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً» وهو طالوت، وبالسريانيّة شاول بن قيس بن أنمار بن ضرار بن يحرف بن يفتح بن أيش بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق، فقالوا له: ما كنت قطّ أكذب منك الساعة ونحن من سبط المملكة، ولم يؤت طالوت سعةً من المال فنتّبعه، فقال اشمويل: «قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» فقالوا: إن كنت صادقاً فأتِ بآية، فقال: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ» والسكينة رأس هرّ، وقيل: طست من ذهب يغسل فيه قلوب الأنبياء، وقيل غير ذلك، وفيه الألواح وهي من درّ وياقوت وزبرجد. وأمّا البقيّة فهي عصا موسى ورضاضة الألواح، فحملته الملائكة، وأتت به إلى طالوت نهاراً بين السماء والأرض والناس ينظرون، فأخرجه طالوت إليهم، فأقرّوا بملكه ساخطين، وخرجوا معه كارهين وهم ثمانون ألفاً، فلمّا خرجوا قال لهم طالوت: «إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي» وهو نهر فلسطين، وقيل: هو الأردن، فشربوا [منه] إلّا قليلاً وهم أربعة آلاف، فمن شرب منه عطش، ومَنْ لم يشرب منه إلّا غرفةً روى، «فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» لقيهم جالوت وكان ذا بأسٍ شديد، فلمّا رأوه رجع أكثرهم وقالوا: «لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ»، ولم يبق معه غير ثلاثمائة وبضعة عشرة عدّة أهل بدر، فلمّا رجع من رجع قالوا: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ» وكان فيهم يشا أبو داود ومن معه من أولاده ثلاثة عشر إبناً، وكان داود أصغر بنيه، وقد خلّفه يرعى لهم ويحمل إليهم الطعام، وكان قد قال لأبيه ذات يوم: يا أبتاه، ما أرمي بقذافتي شيئاً إلّا صرعته، وقال له: لقد دخلت بين الجبال، فوجدتُ تسداً۱ رابضاً، فركبتُ عليه وأخذتُ بإذنه فلم أخفه، ثمّ أتاه يوماً آخر فقال: إنّي لأمشي بين الجبال، فاُسبِّح فما يبقى جبل إلّا سبّحَ معي. قال: أبشر فإنّ هذا خيرٌ أعطاكه اللَّه،