۰.يا حَبيبَ مَن تَحَبَّبَ إلَيكَ «120 » ويا قُرَّةَ عَينِ مَن لاذّ بِكَ وَانقَطَعَ إلَيكَ «121 »أنتَ المُحسِنُ ونَحنُ المُسيؤونَ «122 »فَتَجاوَز يا رَبِّ عَن قَبيحِ ما عِندَنا بِجَميلِ ما عِندَكَ «123 »وأيُ جَهلٍ يا رَبِّ لا يَسَعُهُ جودُكَ «124 »أو أيُ زَمانٍ أطوَلُ مِن أناتِكَ «125 » وما قَدرُ أعمالِنا في جَنبِ نِعَمِكَ «126 »وكَيفَ نستكثره أعمالاً نُقابِلُ بِها كَرَمَكَ «127 »بَل كَيفَ يَضيقُ عَلَى المُذنِبينَ ما وَسِعَهُم مِن رَحَمَتِكَ «128 »
«تحبّب» مضى الكلام في محبّة اللّه تعالى وما قيل أو يقال ، ولكنّ الكلام هنا في كيفية حبّ الإنسان المادّي للّه ، وكيفية حبّ اللّه عبده ، وأنّ الإسلام لم يمنع عن الحبّ ، حتّى حبّ المادّيات ، بل جعل من الواجبات القلبية حبّ اللّه تعالى وحبّ من يحبّه ويطيعه ، وحبّ كلّ شيء لأجله.
تقدّم أنّ حبّ العبد للّه تعالى كما ذكره الفيض رضى الله عنه أمر ممكن ، بل من أعلى مراتب العرفان والتوحيد ، كما في دعاء كميل : «يا غاية آمال العارفين ويا حبيب قلوب الصادقين ، لئن تركتني ناطقا لأضجنّ إليك بين أهلها ضجيج الآملين ، ولأصرخنّ إليك صراخ المستصرخين ، ولأبكينّ عليك بكاء الفاقدين ، ولأُنادينك أين كنت يا وليّ المؤمنين» ، وفي دعاء عرفة لل حسين عليه السلام : «وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سواك ، ولم يلجؤوا إلى غيرك» ، وقال : «وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيبا» ، وفي المناجاة : «إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبّتك فرام منك بدلاً» ، وفي الشعبانية : «وإن أدخلتني النار أعلمت أهلها أنّي أُحبّك» ، وفي الصحيفة السجّادية : «وفرّغ قلبي لمحبّتك» . ۱
وقال سبحانه : «فَسَوْفَ يَأْتِي اللّه ُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ » ، ۲ وقال : «يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّه ِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للّه ِ » . ۳
كما أنّ اللّه سبحانه يحبّ الذين ذكرهم في القرآن :
«إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ »۴«وَاللّه ُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ »۵«إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ التَّوّابِينَ »۶«فَإِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ »۷«وَاللّه ُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ »۸«إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ »۹«إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ »۱۰«وَاللّه ُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ »۱۱«إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ »۱۲«إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّه َ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّه ُ » . ۱۳
ولا يحبّ اللّه أقواما ذكرهم في القرآن :
«إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ »۱۴«وَاللّه ُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ »۱۵«وَاللّه ُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ »۱۶«فَإِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ »۱۷«وَاللّه ُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ »۱۸«لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً »۱۹«إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوّاناً أَثِيماً »۲۰«وَاللّه ُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ »۲۱«إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ »۲۲«إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ »۲۳«إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ »۲۴«إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ »۲۵«إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ »۲۶«إِنَّ اللّه َ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ » . ۲۷
قال المجلسي رضى الله عنه في معنى حبّه تعالى لعبده : «فلأنّ حبّ اللّه تعالى ليس إلّا كثرة الثواب والتوفيق و الهداية المترتّبة على كثرة الطاعة والاتّصاف بالصفات الحسنة ، كما بُرهن في محلّه أنّه تعالى منزّه عن الانفعالات والتغيّرات ، وإنّما اتّصافه بالحبّ والبغض وأمثالهما باعتبار المقامات... فظهر أنّ حبّه تعالى يترتّب على متابعة الرسول ، فثبت أنّه صلى الله عليه و آله أفضل من جميع الخلق» . ۲۸
أقول : كلّ صفة تنسب إليه تعالى تؤخذ بما لها من المفهوم ، مع تنزيهه تعالى عمّا يلزم هذه الصفة من النواقص ، ويترتّب عليها آثارها كما ذكره قدس سره .
ومن الوظائف القلبية حبّ أولياء اللّه تعالى وبغض أعدائه ، والحبّ في اللّه والبغض في اللّه ، وفي الحديث : «إنّ من أوثق عرى الإيمان : أن تحبّ في اللّه وتبغض في اللّه ، وتعطي في اللّه ، وتمنع في اللّه » ، ۲۹ وفيه : «من أحبّ كافرا فقد أبغض اللّه » ، ۳۰ وفيه : «إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيرا ، فانظر إلى قلبك ، فإن كان يحبّ أهل طاعة اللّه عزّ وجلّ ويبغض أهل معصيته ، ففيك خير واللّه يحبّك ، وإذا كان يبغض أهل طاعة اللّه ويحبّ أهل معصيته ، ليس فيك خير واللّه يبغضك ، والمرء مع من أحبّ» ، ۳۱ وفيه : «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، ويكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، ويكون أهلي أحبّ إليه من أهله ، وذاتي أحبّ إليه من ذاته» . ۳۲
قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «إنّ محبّة المقرّبين لأولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليس من جهة الدواعي النفسانية والشهوات البشرية ، بل تجرّدوا عن ذلك وأخلصوا حبّهم للّه » . ۳۳
فاللّه سبحانه يحبّ : المحسنين ، والتوّابين ، والمتطهّرين ، والمتّقين ، والصابرين ، والمتوكّلين ، والمقسطين ، والمطهرّين ، والمقاتلين في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوص ، والذين يتّبعون رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
ولا يحبّ : المعتدين ، وكلّ كفّارٍ أثيم ، والكافرين ، والظالمين ، ومن كان مختالاً فخورا ، ومن كان خوّانا أثيما ، والمفسدين ، والمسرفين ، والخائنين ، والمستكبرين ، وكلّ خوّان كفور ، والفرحين.
فالمتحبّب إلى اللّه هم الذين يتّصفون بالصفات الممدوحة ، ويتركون الصفات المذمومة.
فاللّه سبحانه حبيب لمن تحبّب إليه ، ومن كان محبّا للّه تعالى يظهر ذلك في نيّاته وأعماله وأقواله ، يحبّ أولياء اللّه تعالى ويميل إليهم ، ويبغض أعداء اللّه ويتنفّر عنهم ، يعمل للّه ، ويحبّ اللّه ويبغض للّه ، ويحبّ العبادة ويلتذّ منها ، ويسهر بها ليله ويصبح ويمسي شائقا إليها ، فيذوق حلاوة العبادة وحلاوة المحبّة.
«ويا قرّة عين من لاذ بك وانقطع إليك» ، يعني من انقطع إليه من الأسباب المادّية وعلم أن لا مؤثّر إلّا هو ، وغيره أسباب تتسبّب بلطفه ، كما في الدعاء : «يا من تسبّبت بلطفه الأسباب» ، وفي الدعاء أيضا : «اللّهمّ هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك» ، وقال : «اللّهمّ صن وجهي باليسار ، و لا تبتذل جاهي بالاقتار ، فأسترزق أهل رزقك وأستعطي شرار خلقك ، فأفتتن به حمد من أعطاني ، وأبتلي بذمّ من منعني ، وأنت من دونهم وليّ الإعطاء والمنع» ، فأحسّ بالاطمئنان والاستغناء عن الناس والعزّ بعزّته تعالى ، وانقطع عنه الهموم والغموم وتخلّى عن الشكاية إلى الناس ، صار اللّه سبحانه عنده ومعه ، ورأى نفسه في حصنه ، ولا يبقى له همّ إلّا همّ واحد ، وتخلّى من الهموم إلّا همّ واحدا تفرّد به .
«أنت المحسن» في جميع أفعالك وإرادتك ، و«نحن المسيؤون» في ارتكاب المعاصي والغفلة عنك ، والإقبال إلى غيرك ، وحبّ ما لا تحبّه ، والإقبال إلى ما يسخطك ، وعدم الرغبة فيما رغبت فيه ، وعدم الشوق إلى ما شوّقت إليه ، وكفى معصية وإساءة في العبد أن يحبّ ما لا يحبّه مولاه ، ويرغب إلى خلاف مرضاته ، أو كفى في بعده ألّا يحبّ لقاءه ، وألّا يحبّ عبادته ومناجاته.
«فتجاوز ـ يا ربّ ـ عن قبيح ما عندنا» من الأعمال والأقوال والنيّات والصفات الرذيلة ، «بجميل ما عندك» من العفو والصفح والإحسان.
«وأيّ جهل لا يسعه جودك» يحتمل أن يكون الجهل هنا في مقابل العقل ، أي جهالة لا يسعه العفو عنه جودك ، يعني أنّ جودك أعظم من أن يمنعه جهلي في ارتكاب القبائح والأفعال السيّئة ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد الجهل بمعنى عدم العلم ، أي أيّأعمال وقبائح نشأت عن جهلي وعدم معرفتي ومبلغ علمي يمنع جودك في الشمول بالنسبة إليّ؟
«وأيّ زمان أطول من أناتك» الأناة : الحلم والوقار ، أي لا يمنع عفوك وجودك طول زمان عصياني وطغياني وإساءتي ، أي قد يمنع الجواد من الجود عظم جهل الجاهل وسفهه وارتكابه السيّئات ، فجودك أعظم وأوسع من ذلك ، وقد يمنعه طول زمان الإساءة والتمادي في الطغيان ، فأناتك وحلمك أطول من ذلك.
ولو أردت موازنة نعمك ومقابلتها مع أعمالنا الحسنة «وما قدر أعمالنا في جنب نعمك» حقّ يليق بالمعاوضة ، وتكون نعمك بقدر أعمالنا ، فلو فعلت ذلك لكنّا محرومين من كلّ نعمائك أو جلّها ، حاشا ثمّ حاشا ، ما هكذا الظنّ بك.
«وكيف تستكثر» أي نعدّها ونراها كثيرا ، «أعمالاً نقابل بها كرمك» ، وهذا ممّا لا يكون ، «بل كيف يضيق على المذنبين ما وسعهم من رحمتك» ؛ لأنّ رحمة اللّه سبحانه سبقت غضبه «رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ »۳۴ و «كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » ، ۳۵ وقال تعالى : «وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضّالُّونَ » ، ۳۶ وقال سبحانه : «قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه ِ » ، ۳۷ وقال تعالى : «رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً » ، ۳۸ وقال تعالى : «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) ،۳۹وقال تعالى : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّه ِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي » . ۴۰
فإذا كان كذلك فكيف يضيق رحمته على المذنبين بألّا تُقبل توبتهم ويعذّبهم بعد التوبة.
1.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۲۱ .
2.المائدة : ۵۴ .
3.البقرة : ۱۶۵.
4.البقرة : ۹۵.
5.آل عمران : ۱۳۴ و ۱۴۸ ، المائدة : ۱۳.
6.البقرة : ۲۲۲.
7.آل عمران : ۷۶ ، التوبة : ۴ .
8.آل عمران : ۱۴۶ .
9.آل عمران : ۱۵۶ .
10.المائدة : ۴۲ ، الحجرات : ۹ ، الممتحنة : ۸ .
11.التوبة : ۱۰۸ .
12.الصف: ۴ .
13.آل عمران : ۳۱.
14.البقرة : ۱۹۰ ، المائدة : ۸۷ ، الأعراف : ۵۵ .
15.البقرة : ۲۰۵.
16.البقرة : ۲۷۶.
17.آل عمران : ۳۲ ، الروم : ۴۵.
18.آل عمران: ۵۷ و ۱۴۰ ، الشورى: ۴۰.
19.النساء : ۳۶ .
20.النساء : ۱۰۷.
21.المائدة : ۶۴ ، القصص : ۷۷ .
22.الأنعام : ۱۴۱ ، الأعراف : ۳۱.
23.الأنفال : ۵۸ .
24.النحل : ۲۲ .
25.الحج : ۳۸ .
26.القصص : ۷۶ .
27.لقمان : ۱۸ ، الحديد : ۲۳ .
28.بحار الأنوار : ج ۳۸ ص ۳۵۹ .
29.الكافي : ج ۲ ص ۱۲۵ ، الأمالي للصدوق : ص ۶۷۴ ، تحف العقول : ص ۳۶۲ ، روضة الواعظين : ص ۴۱۷ ، الأمالي للمفيد : ص ۱۵۱ ، بحار الأنوار : ج ۶۶ ص ۲۳۶ .
30.الأمالي للصدوق : ص ۷۰۲ ، روضة الواعظين : ص ۴۱۷ ، بحار الأنوار : ج ۶۶ ص ۲۳۷ .
31.الكافي : ج ۲ ص ۱۲۷ ، علل الشرائع : ج ۱ ص ۱۱۷ ، مشكاة الأنوار : ص ۲۱۷ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۶۶ ص ۲۴۷ .
32.الأمالي للصدوق : ص ۴۱۴ ، روضة الواعظين : ص ۲۷۱ ، المناقب للكوفي : ج ۲ ص ۱۳۴ ، مشكاة الأنوار : ص ۱۵۳ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۱۷ ص ۱۳ .
33.بحار الأنوار : ج ۱۲ ص ۳۲۵ .
34.الأنعام : ۱۴۷ .
35.الأنعام : ۵۴ .
36.الحجر : ۵۶ .
37.الزمر : ۵۳ .
38.غافر : ۷ .
39.الأعراف : ۱۵۶ .
40.العنكبوت : ۲۳ .