۰.إلهي وسَيِّدي ، وعِزَّتِكَ وجَلالِكَ لَئِن طالَبتَني بِذُنوبي لَاُطالِبَنَّكَ بِعَفوِكَ «451 »ولَئِن طالَبتَني بِلُؤمي لَاُطالِبَنَّكَ بِكَرَمِكَ «452 » ولَئِن أدخَلتَنِي النّارَ لَاُخبِرَنَّ أهلَ النّارِ بِحُبّي لَكَ «453 »إلهي وسَيِّدي إن كُنتَ لا تَغفِرُ إلّا لِأَولِيائِكَ وأهلِ طاعَتِكَ فَإِلى مَن يَفزَعُ المُذنِبونَ؟«454 »وإن كُنتَ لاتُكرِمُ إلّا أهلَ الوَفاءِ بِكَ فَبِمَن يَستَغيثُ المُسيؤونَ؟«455 »
«إلهي وسيّدي» تقدّم معنى الإله والسيّد ، والإضافة بمعنى اللّام إضافة حقيقية ؛ لأنّه تعالى معبود كلّ مخلوق بأيّ معنى اعتُبر للعبادة ـ أي الطاعة أو كمال الخضوع أو خضوع من اعتقاد أنّ المعبود له الخلق والأمر وبيده الرزق والشفاء من المرض و... ـ وإذا كان القائل عارفا باللّه تعالى يكون في قوله صادقا ومخلصا ومفتخرا مباهيا ، كما روي عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه : «كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا ، وكفى بي فخرا أن تكون لي ربّا ، أنت كما أُحبّ فاجعلني كما تحبّ» ، ۱ وكذا الإضافة في سيّدي.
«وعزّتك» أي أُقسم بعزّتك ، والعزّة بالكسر مصدر واسم بمعنى الغلبة في المعازّة ، قيل : العزّة غير الكبر ، فالعزّة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه وإكرامها ووضعها في منزلتها ، كما أنّ الكبر جهل الإنسان بنفسه وإنزالها فوق منزلتها ، والعزيز من أسمائه تعالى وهو الذي لا يعاد له شيء ، أو الغالب الذي لا يغلب ، قال سبحانه : «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً » ، ۲ و «أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للّه ِِ جَمِيعاً » ، ۳ و «وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للّه ِِ جَمِيعاً » ، ۴ والعزّة من فروع الملك ، والملك للّه الواحد القهّار ، قال سبحانه : «قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ » . ۵
«وجلالك» أي أُقسم بجلالك ، والجلالة : العظمة وعظم القدر ، والجلال بغير الهاء : التناهي في ذلك ، وخُصّ بوصف اللّه تعالى ، فقيل : «ذو الجلال والإكرام» ولم يُستعمل في غيره ، والجليل : العظيم القدر ، ووصفه تعالى بذلك إمّا لخلقه الأشياء العظيمة المستدلّ بها عليه ، أو لأنّه يجلّ عن الإحاطة به ، أو لأنّه يجلّ أن يُدرك بالحواسّ ، ۶ وجلال اللّه : عظمته ، ومنه الدعاء «أسألك بجلالك» ، ولعلّ القسم بالاسمين المباركين من أجل المناسبة بين العزّة والعفو والجلال والكرم.
«لئن طالبتني بذنوبي» طالبه ؛ أي طلبه بحقّ له عليه ، طالبه بذنوبه ؛ أي أخذه بها.
«لأطالبنّك بعفوك» أي أطلب عفوك ، كأنّ العفو عنّي حقّ لي على اللّه تعالى ؛ لأنّك العزيز الغالب الذي لا يعادله شيء ، وأنت المالك تؤتي من تشاء ، فلا يتعاظمك العفو عن الذنب ، وأنت ذو الجلال والعظمة ينبغي لكرمك أن تعفو عن عبدك الجاهل.
«ولئن طالبتني بلؤمي» واللؤم ضدّ الكرم ، ولؤم الرجل كان دنيء الأصل شحيح النفس مهينا ، أي طالبتني وأخذتني بصفة اللؤم فيّ ، أو بأعمالي الناشئة من اللؤم .
«لأطالبنّك بكرمك» وتوسّلت إليك بكرمك ، كما قال سبحانه : «يا أَيُّهَا الإِْنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ » ، ۷ وقد تقدّم الكلام في معنى الكرم والأحاديث الواردة فيه وآثاره وعلاماته.
«ولئن أدخلتني النار لأخبرنّ أهل النار بحبّي لك» قد تقدّم الكلام في معنى حبّ اللّه تعالى ، والغرض هنا بيان أنّه لو أدخله اللّه النار بأعماله القبيحة وسيّئاته وأذن له في الكلام لأخبر أهلها بحبّه اللّه سبحانه وتعالى ، وفي دعاء كميل «... أتراك معذّبي بنارك بعد توحيدك ، وبعدما انطوى عليه قلبي من معرفتك ، ولهج به لساني من ذكرك ، واعتقده ضميري من حبّك ؟».
«إلهي وسيّدي» تكرّر ذكر هاتين الكلمتين في هذا الدعاء ، ومرّ تفسيرهما في محالّه ، وعن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : «سُئل عن معنى اللّه عزّ وجلّ ، فقال : استولى على ما دقّ وجلّ» ، ۸ وعن أبي محمّد عليه السلام قال : «اللّه هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كلّ مخلوق عند انقطاع الرجاء من كلّ من هو دونه ، وتقطّع الأسباب من جميع من سواه» ، ۹ وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «اللّه معناه المعبود الذي يأله إليه الخلق ويؤله إليه ، واللّه هو المستور عن درك الأبصار المحجوب عن الأوهام والخطرات» ، ۱۰ قال الباقر عليه السلام : «اللّه المعبود الذي أله المخلوق عن درك ماهيّته والإحاطة بكيفيّته» . ۱۱
قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «واختُلف في لفظ الجلالة ، فالمشهور أنّه عربيّ مشتقّ إمّا من أله بمعنى عبد ، أو من أله إذا تحيّر ؛ إذ العقول تحير في معرفته ، أو من ألهت إلى فلان أي سكنت إليه ؛ لأنّ القلوب تطمئنّ بذكره ، والأرواح تسكن إلى معرفته ، أو من أله إذا فزع من أمر نزل عليه ، وألهه غيره أجاره ، إذ العابد يفزع إليه وهو يجيره ، أو من أله الفصيل إذا ولع بأُمّه ، إذ العباد يولعون بالتضرّع إليه في الشدائد ، أو من وله إذا تحيّر وتحبّط عقله ، وكان أصله ولاه فقلبت الواو همزة ؛ لاستثقال الكسرة عليها ، أو من لاه مصدر لاه يليه لها ولاها إذا احتجب وارتفع ؛ لأنّه تعالى محجوب عن إدراك الأبصار ، ومرتفع على كلّ شيء وعمّا لا يليق به ، وقيل : إنّه غير مشتقّ وهو علم للذات المخصوصة وضع لها ابتداءً ، وقيل : أصله لاها بالسريانيّة فعرّب بحذف الألف الأخيرة وإدخال اللّام عليه» . ۱۲
فمعناه : ياإلهي يامعبودي الذي أتألّه إليه ، يامعبودي الذي هو مستور عن درك الأبصار ومحجوب عن الأوهام ، يامعبودي الذي أله الخلق عن درك ماهيّته وتحيّروا في معرفته وبذكره تطمئنّ القلوب الذي يجير ولا يجار عليه و... .
وقال في موضعٍ آخر : «اللّه والإله المستحقّ للعبادة ولا تحقّ العبادة إلّا له» . ۱۳
والسيّد معناه : الملك ، ويقال لملك القوم وعظيمهم سيّد ، وقد سادهم يسودهم ، وقيل لقيس بن عاصم : بم سدت قومك؟ قال : ببذل الندى وكفّ الأذى ونصر المولى ، وقال النبي صلى الله عليه و آله : «عليّ سيّد العرب ، فقالت عائشة : يا رسول اللّه ألست سيّد العرب؟ قال : أنا سيّد ولد آدم ، وعليّ سيّد العرب ، فقالت عائشة : يارسول اللّه : وما السيّد؟ قال : من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي» ، فعلى معنى هذا الحديث السيّد هو الملك الواجب الطاعة . ۱۴
«إن كنت لا تغفر» الغفر إلباس ما يصونه من الدنس ، والغفران من اللّه تعالى هو أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب.
«إلّا لأوليائك» ، الولي كغني : المحبّ والصديق والنصير ، والجمع أولياء ، والوليّ فعيل بمعنى فاعل من وليه إذا قام به ، ومنه : «اللّه ُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » ، ۱۵ والجمع أولياء ، ويكون الوليّ بمعنى مفعول في حقّ المطيع ، فيقال : المؤمن وليّ اللّه .
أقول : هذا هو المعنى الحقيقي للوليّ ، ففي كلام معاوية للحجونية : ۱۶ «لمن أحببت عليّا وأبغضتني وواليت عليّا وعاديتني؟» ۱۷ وفي الزيارة الجامعة : «فثبتني اللّه أبدا ما حييت على موالاتك ومحبّتك» ، وإنّما المحبّة والنصرة من لوازم الولالية ، فيصحّ أن يقال : أحببت زوجتي أو نصرت ابني ، ولا يقال : واليت زوجتي وواليت ابني .
«وأهل طاعتك» تفسير للأولياء وأهل الطاعة ، كما يقال أهل القرآن ، ويقال لأهل مكّة أهل اللّه ؛ أي المختصّون به ، أي إن كنت إلّا لأوليائك والمختصّون بالطاعة ، كأنّ الطاعة إنسان أو بيت أو بلدة لها أهل ومختصّون.
«فإلى من يفزع المذنبون» فزع إليه : استغاثه وأغاثه ، وفزع إليهم استغاثهم ، والمذنب من ارتكب ذنبا وهو الجرم وكلّ فعل يستوخم عقباه من ذنب الدابة.
«وإن كنت لا تكرم» والتكريم أن يوصل إلى الإنسان إكرام ، أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة ، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كريما أي شريفا.
«إلّا أهل الوفاء بك» الوفاء : ضدّ الغدر ، وفى بالوعد والعهد من باب ضرب أتمّه وحافظ عليه . أي إلّا أهل الوفاء بعهدك ، قال تعالى : «بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللّه َ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ » ، ۱۸ و «أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ » ، ۱۹ و «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّه َ عَلَيْهِ » ، ۲۰ و «مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّه َ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً » ، ۲۱ فمن عمل بما عاهد اللّه تعالى وصدق فيما عاهد اللّه عزّ شأنه فهو يؤتي أجرا عظيما ، فاللّه يحبّه ويفي له بما وعده.
«فبمن يستغيث المسيؤون» أي لو لم يعمّ رحمتك المسيؤون والمذنبون ، فإلى من يفزع المذنبون ويستغيث المسيؤون؟ يستغيث عليه السلام ويستغفر بهذا البيان اللّطيف ويتذكّر بأنّه لا غافر ولا مغيث إلّا اللّه تعالى.
1.الخصال : ص ۴۲۰ ، روضة الواعظين : ص ۱۰۹ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۷۴ ص ۴۰۰ .
2.فاطر : ۱۰ .
3.النساء : ۱۳۹ .
4.يونس : ۶۵ .
5.آل عمران : ۲۶.
6.اُنظر : مفردات ألفاظ القرآن : ص ۹۴ .
7.الانفطار : ۶.
8.الكافي : ج ۱ ص ۱۱۵ ، التوحيد : ص ۳۳۰ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۴ ص ۱۸۱.
9.التوحيد : ص ۳۳۰ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۴ ص ۱۸۲ ، وج ۹۲ ص ۲۳۲ و ۲۴۰ .
10.التوحيد : ص ۸۹ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۳ ص ۲۲۲ .
11.التوحيد : ص ۸۹ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۳ ص ۲۲۲ ـ ۲۲۴ .
12.بحار الأنوار : ج ۳ ص ۲۲۶ ، و ج ۴ ص ۱۸۷.
13.اُنظر : بحار الأنوار : ج ۴ ص ۱۸۷ .
14.اُنظر : بحار الأنوار : ج ۴ ص ۱۹۸ .
15.البقرة : ۲۵۷ .
16.ذلك في قصة دارميّة الحجونيّة مع معاوية ، أنّ معاوية قال لها : أتدرين لم بعثت إليك؟ قالت : لا يعلم الغيب إلّا اللّه ، قال : بعثت إليك لأسألك علام أحببتِ عليّا وأبغضتني؟ وواليته وعاديتني؟
17.اُنظر : الطرائف : ص ۲۷ .
18.آل عمران : ۷۶.
19.البقرة : ۴۰.
20.الأحزاب : ۲۳.
21.الفتح : ۱۰ .