۰.تُبدِئُ بِالإِحسانِ نِعَما وتَعفو عَنِ الذَّنبِ كَرَما «115 »فَما نَدري ما نَشكُرُ «116 » أجَميلَ ما تَنشُرُ أم قَبيحَ ما تَستُرُ؟«117 »أم عظيم ما أبليت وأوليت ؟ أم كثير ما منه نجيّت وعافيت ؟«118 »
أي تبدأ بالإحسان والإنعام قبل المسألة ، إذ هو سبحانه خلقنا ولم نكُ شيئا مذكورا ، وقرّرنا في الأرحام في حُجبٍ ثلاث ، وغذّانا فيها من الدم الموجود والمتكوّن في الأُم حتّى تمّ خلقنا ، وأخرجنا إلى الدنيا وصيّر الدم لبنا مريّا ، وعطف علينا قلوب الحواضن والأُمّهات الرواحم ، وعلّمهنّ كيف يغذين ، وكيف يحفظن ، وكيف ينظّفن ، وعلّمنا كيف نجهر بحاجتنا ، ثمّ كيف نمصّ اللبن ونزدرد ، ثمّ علّمنا طريق جذب المنافع ودفع المضارّ ... كلّ ذلك كان قبل المسألة ، والآن أيضا يعطينا ، ويحسن إلينا نعما مع غفلتنا عنها وغفلتنا عن حاجتنا إليها ، نعما لا تُحصى ولا تعدّ ، ولا نلتفت إليها إلّا بعد فقدانها.
وتعفو عن الذنب بكرمك ـ بأيّ معنى الكرم أردنا ـ مع القدرة على العقوبة ، فما ندري أيّ شيء نشكر ، هل نشكر جميل ما تستر ، إنّ اللّه سبحانه ينشر من المؤمن فضائله ، وفواضله وكلّ جميل ، وإن هو أراد الإخفاء فيما كان من أفعاله حفظا للإخلاص ، فهذا التاريخ والتراجم والحديث مملوءة من الثناء الجميل على الكرماء والمحسنين ، حتّى ما فعلوه في خلواتهم في دياجي الظلم ، من أفعالهم وعباداتهم.
قال أمير المؤمنين عليه السلام في دعاء كميل : «وكم من ثناءٍ جميل لست أهلاً له نشرت» ، ينشر عنه ما لا يرى نفسه أهلاً لذلك ، وهذا أيضا من إحسانه تعالى إلى الإيمان أن يوقفه على عيوب نفسه وأعماله حتّى لا يُبتلى بالعُجب المهلك ، وهؤلاء أنبياء اللّه سبحانه وأولياؤه المعصومون يبكون ويضجّون إليه ويصرخون ويستغفرون لما يرون في أنفسهم من العيوب وفي أعمالهم من الآثام ، نعم حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين .
قال الحسين عليه السلام : «ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئا مذكورا ، خلقتني من التراب ، ثمّ اسكنتني الأصلاب ، آمنا لريب المنون ، واختلاف الدهور والسنين ، فلم أزل طاعنا من صلبٍ إلى رحم ، في تقادم الأيّام الماضية والقرون الخالية ، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك في دولة أيّام الكفرة...» . ۱
«أبليت» من البلاء أي الامتحان والاختبار ، قال القُتيبي : «يقال من الخير : أبليته أبليه إبلاء ، ومن الشرّ : بلوته أبلوه بلاءً ، والمعروف أنّ الابتلاء يكون في الخير والشرّ معا من غير فرق بين فعليهما ، ومنه قوله تعالى : «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً »۲ ...» . ۳
الإبلاء : الإنعام والإحسان ، يقال : بلوت الرجل وأبليت عنده بلاءً حسنا ، ۴ وفي الدعاء التاسع والأربعين : «وأُبليت الجميل فعصيت ،» أي أعطيت وأنعمت بالجميل ، من أبلاه الخير إذا أعطاه ، ومنه قوله تعالى : «وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً » ، ۵ قال المفسّرون : «أي ليعطيهم من عنده عطاءً حسنا غير مشوب بالمكاره والشدائد» . ۶
«وأوليت» كمن أولى معروفا أي صنعه ، وفي الدعاء : «ولا تجعلني ناسيا لذكرك فيما أوليتني ، ولا غافلاً لإحسانك فيما أبليتني» ، ۷ أوليتني : أي أعطيتني ، الإبلاء : الإنعام .
«أم كثير ما منه نجيّت» أي الشدائد والفتن المادّية والمعنوية ، «وعافيت» أي سلّمت وخلّصت.
1.الإقبال : ج ۲ ص ۷۴ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۵۷ ص ۳۷۲ .
2.الأنبياء : ۳۵ .
3.اُنظر : بحار الأنوار : ج ۶۹ ص ۳۳۱ .
4.اُنظر : النهاية : ج ۱ ص ۱۵۳ .
5.الأنفال : ۱۷.
6.اُنظر : تفسير غرائب القرآن ، رغائب الفرقان : ج ۲ ص ۴۳۲ .
7.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۴۱ .