109
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
108

۰.يا واسِعَ المَغفِرَةِ «129 »يا باسِطَ اليَدَينِ بِالرَّحمَةِ «130 »فَوَعِزَّتِكَ يا سَيِّدي لَو نَهَرتَني ما بَرِحتُ مِن بابِكَ ولا كَفَفتُ عَن تَمَلُّقِكَ لِمَا انتَهى إلَيَ مِنَ المَعرِفَةِ بِجودِكَ وكَرَمِكَ «131 »وأنتَ الفاعِلُ لِما تَشاءُ «132 »تُعَذِّبُ مَن تَشاءُ بِما تَشاءُ كَيفَ تَشاءُ «133 »وتَرحَمُ مَن تَشاءُ بِما تَشاءُ كيفَ تَشاءُ «134 »لا تُسأَلُ عَن فِعلِكَ «135 » ولا تُنازَعُ في مُلكِكَ «136 »

«يا واسع المغفرة» الغفر : هو الصفح ، وأصله الستر كما في المصباح ، ۱ والمغفرة اسم منه ، قال تعالى : «إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ » ، ۲ وقال تعالى : «وَاللّه ُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ » ، ۳ وقال تعالى : «وَاللّه ُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللّه ُ واسِعٌ عَلِيمٌ » ، ۴ وقال تعالى : «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ »۵«وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ » . ۶
فاللّه سبحانه على ما وصف نفسه الكريم هو غفور رحيم ، وهو واسع المغفرة ، أي الصفح والستر ، فهو يستر ذنوب العبد ولا يفضحه ، وفي الدعاء : «فكم من عائبة سترتها عليّ فلم تفضحني» ۷ و«فكلنّا قد اقترف ... وارتكب الفاحشة فلم تفضحه» ، ۸ و«لا تفضحنا لديك» ، ۹ و«لا تفضحنا في حاضري القيامة» ، ۱۰ و«تستر على من لو شئت فضحته» ، ۱۱ و«وإذ لم تقمني مقام فضيحة في دنياك ، فلا تقمني مثله في آخرتك» . ۱۲
وهو يسع مغفرته الناس ، فأيّ ذنب لا يسعه مغفرته إلّا من لجّ يوم القيامة وأنكر فيها وقال : «وَاللّه ِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ » ، ۱۳ فحينئذٍ يختم اللّه على أفواههم وتكلّم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، ۱۴«حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْوَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » . ۱۵
فنحن نستشفع إليه ، وأنّه واسع الصفح والستر في الدنيا والآخرة ، ونطلب منه الغفران وعدم الفضيحة في الدنيا والآخرة.
«يا باسط اليدين بالرحمة» لعلّه إشارة إلى قوله تعالى : «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ » ، ۱۶ اليد مؤنّثة ، وهي من المنكب إلى أطراف الأصابع ، واليد : النعمة والإحسان ، ويد اللّه كناية عن الحفظ والدفاع (يد اللّه على الجماعة) ، اليد العليا خير من اليد السفلى ، أي المُعطية ، والسفلى السائلة ، وهذه يدي لك ؛ أي استسلمت .
«وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّه ِ مَغْلُولَةٌ » ، ۱۷ أي هو ممسك يقتر بالرزق أو فقير ، وغلّ اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود : «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا » ، دعاء عليهم بالبخل والنكد ، أو بالفقر والمسكنة ، أو بغلّ الأيدي حقيقة «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ » ، ثنيّ اليد مبالغة في الردّ ونفي البخل عنه تعالى وإثباتا لغاية الجود ، فإنّ غاية ما يبذله أن يعطي بيديه ، فاستشفع عليه السلام بهذا الوصف إلى غاية جوده تعالى في الغفران والإعطاء.
«فوعزّتك يا سيّدي لو نهرتني ما برحت عن بابك» نهره أي زَجَره ، قال سبحانه : «وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ » ، ۱۸ أي لا تزجره . أي لو دفعتني وطردتني عن بابك ما برحت ، أي مازلت من مكان ، من برح يبرح ، أي زال من مكانه.
«ولا كففت عن تملّقك» أي لم أترك التملّق أي التودّد ، وفي النهاية : «ليس من خلق المؤمن الملق» ، هو بالتحريك أي الزيادة في التودّد . ۱۹
من كلمات مولانا الباقر عليه السلام : «ليس من أخلاق المؤمن الملق والحسد إلّا في طلب العلم» ۲۰ وعن النبي صلى الله عليه و آله : «ليس من أخلاق المؤمن الملق إلّا في طلب العلم» . ۲۱
«إيّاك والملق ؛ فإنّ الملق ليس من خلائق الإيمان» ، ۲۲ «إنّما يحبّك من لا يتملّقك ، ويثني عليك من لا يسمعك» ، ۲۳ «ليس الملق من خلق الأنبياء» ، ۲۴ «من كثر ملقه لم يعرف بشره» ، ۲۵ «الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق» . ۲۶
«صاحب الاستطالة و الختل فذو خبّ وملق ، يستطيل على مثله في أشباهه ، ويتواضع للأغنياء من دونهم ، فهو لحلوانهم هاضم ، ولدينه حاطم ، فأعمى اللّه من هذا بصره ، وقطع من آثار العلماء أثره» . ۲۷
قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «الملق بالتحريك المداهنة والملاينة باللّسان والإعطاء باللسان ما ليس في القلب» . ۲۸
وعلى كلّ حال ، التملّق خلق سيّئ إلّا في طلب العلم ، أو مع اللّه تعالى وللّه تعالى «وهو يظهر لي بشاشة الملق» ۲۹ قال في العين : الملق ؛ الودّ واللطف الشديد ، قال : إيّاك أدعو فتقبّل ملقي ؛ أي دعائي وتضرّعي. ۳۰
«لِمَا انتهى إليّ من المعرفة بجودك وكرمك» تعليل لعدم البراح من بابه وعدم الكفّ عن التملّق ، وليس المراد من الملق ما ذكره المجلسي رحمه الله من الإعطاء باللّسان ما ليس في القلب ؛ لأنّه نفاق ، وليس المراد من الملق نفي طلب العلم ذلك أيضا ، بل المراد التودّد والثناء الكثير بالحقّ والزيادة في الثناء بالحقّ.
«وأنت الفاعل لما تشاء ، تعذّب من تشاء بما تشاء كيف تشاء» وأنت الفاعل لما تشاء ؛ لأنّه سبحانه عزيز لا يردّ إرادته شيء ، وعالم الخلق ملك له تعالى ، تعذّب من تشاء ؛ لأنّ من حوسب فقد عُذِّب إلّا من عصمه اللّه تعالى ، وكلّ مقصّر في حقّه تعالى : «كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ » ، ۳۱ أو تعذّب من تشاء ، كما في قوله تعالى : «أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً » . ۳۲
«ترحم من تشاء بما تشاء كيف تشاء» أي أنّ الأمر إليك ، والقلوب بيدك ، والأسباب وآثارها لك وأنت مسبّبٍ الأسباب ، فأنت ترحم من تشاء برحمتك الواسعة ، وتهيّئ له أسباب الهداية ، بأيّ سبب شئت كيف شئت.
«لا تُسأل عن فعلك ولا تُنازع في ملكك» قال سبحانه : «لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ » ، ۳۳ ولعلّ المراد من عدم السؤال عدم المؤاخذة والعقاب ، هاتان الجملتان بيان لسهولة ما يطلبه من اللّه تعالى على اللّه تعالى ، وأنّه لا يكفّ عن التملّق ، بل إنّه تعالى قادر لما يطلبه وجواد وكريم.
فعقّب ذلك بقوله تتميما :
«ولا تشارك في أمرك، ولا تضادّ في حكمك، ولا يعترض عليك أحد في تدبيرك، لك الخلق والأمر، تبارك اللّه ربّ العالمين».
يعني إنّك تفعل ما تشاء ، تعذّب من تشاء... وترحم من تشاء ، ولا يسئل عن فعلك ، فيقال : لِمَ وبِمَ ، «ولا تنازع في ملكك» ؛ لأنّه ليس له شريك ينازعه في تصرّفه في ملكه فيمنعه عن فعله ، «ولا تشارك في أمرك» أي يكون شريكا في أوامرك ونواهيك ، ويحتمل أن يكون المراد من الأمر الفعل ، أي ليس لك شريك فيما تفعله ، فتريد العقل ويمتنع هو.
«ولا تضادّ في حكمك» أي ليس أحد يصدر أمرا دون أمرك ، ويفعل عملاً دون عملك ، فيفعل ضدّ ما فعلت ويأمر ضدّ ما أمرت.
«ولا يعترض عليك أحد في تدبيرك» فيعترض عليك في تعذيبك وهدايتك.
«ولك الخلق» تخلق كيف تشاء «ولك الأمر» ، قال سبحانه : «للّه ِِ الأَْمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ »۳۴«إِنَّ الأَْمْرَ كُلَّهُ للّه ِِ »۳۵ و «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ »۳۶ و «بَلْ للّه ِِ الأَْمْرُ جَمِيعاً » . ۳۷
«تبارك اللّه ربّ العالمين» في القرآن : «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ تَبارَكَ اللّه ُ رَبُّ الْعالَمِينَ » ، ۳۸ وقال أيضا : «فَتَبارَكَ اللّه ُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ » ، ۳۹ أي تعاظم اللّه وكثر خيره ، وكلّما فعل فقال خير كلّه.

1.المصباح المنير : ص ۱۱۸.

2.النجم : ۳۲.

3.البقرة : ۲۲۱.

4.البقرة : ۲۶۸.

5.آل عمران: ۱۳۳.

6.الرعد : ۶.

7.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۳۴ .

8.المصدر السابق : الدعاء ۱۶ .

9.المصدر السابق : الدعاء ۵ .

10.المصدر السابق : الدعاء ۴۲ .

11.المصدر السابق : الدعاء ۴۵ .

12.المصدر السابق : الدعاء ۴۷ .

13.الأنعام : ۲۳ .

14.إشارة إلى الآية ۶۵ من سورة يس.

15.فصّلت : ۲۰ .

16.المائدة : ۶۴ .

17.المائدة : ۶۴.

18.الضحى : ۱۰.

19.النهاية : ج ۴ ص ۳۵۸ .

20.دعائم الإسلام : ج ۱ ص ۸۳ ، تحف العقول : ص ۲۹۷ ، انظر : بحار الأنوار : ج ۷۵ ص ۱۷۷ .

21.عدّة الداعي : ص ۷۱ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۲ ص ۴۵ ، ميزان الاعتدال : ج ۱ ص ۴۸۸ .

22.غرر الحكم : ح ۲۶۹۶ .

23.المصدر السابق : ج ۳ ص ۷۸ ح ۳۸۷۵ .

24.المصدر السابق : ج ۵ ص ۷۳ ح ۷۴۵۳ .

25.المصدر السابق : ص ۱۹۹ ح ۷۹۶۳ .

26.نهج البلاغة : الحكمة ۳۴۷ .

27.مرآة العقول : ج ۱ ص ۱۶۱ .

28.المصدر السابق .

29.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۴۶ .

30.العين : ج ۵ ص ۱۷۴ .

31.عبس : ۲۳.

32.الإسراء : ۱۶ .

33.الأنبياء : ۲۳.

34.الروم : ۴.

35.آل عمران : ۱۵۴.

36.الأعراف : ۵۴ .

37.الرعد : ۳۱ .

38.الأعراف : ۵۴ .

39.المؤمنون : ۱۵ .

  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 451827
صفحه از 464
پرینت  ارسال به