11
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
10

لقاؤه بعليّ بن الحسين عليهماالسلام

قال أبو حمزة : «إنّ أوّل ما عرفتُ عليَّ بن الحسين عليهماالسلام أنّي رأيت رجلاً دخل من باب الفيل ۱ فصلّى أربع ركعات، فتبعته حتّى أتى بئر الزكاة، وهي عند دار صالح بن علي، وإذا بناقتين معقولتين ومعهما غلام أسود، فقلت له : من هذا؟ فقال : هذا عليّ بن الحسين عليهماالسلام، فدنوت إليه، فسلّمت عليه وقلت له : ما أقدمك بلادا قُتل فيها أبوك وجدّك؟ قال : زرت أبي وصلّيت في هذا المسجد . ثمّ قال : هاهو ذا وجهي صلّى اللّه عليه» . ۲
فقد تعلّق أبو حمزة بالإمام عليه السلام من أوّل لمحة حظي بها لشخصه وقبل أن يعرفه ، فكم من داخل دخل مسجد الكوفة وصلّى فيه؟ لكنّه علم أنّ الرجل ليس كالرجال، ومصلٍّ ليس كالمصلّين.
إذ كان عليه السلام إذا مشى لا تجاوز يده فخذه، ولا يخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة . ۳
فأحبّه حبّا لأهل الصلاح، وتعلّق به رغبةً في الفضيلة، وتبعه حتّى لا تفوته الفرصة. ولم يتأنّ في إظهار ولائه وحرصه عليه لمّا علم أنّه إمامه.
أمّا الإمام فلم يُفاجأ بأبي حمزة، فاسمه مكتوب عندهم عليهم السلام في ديوان شيعتهم، وأنّه من الناجين المسجّلين في صحفهم.
فقد ورد أنّ علي بن أبي حمزة [الثمالي] وأبا بصير قالا : كان لنا موعد على أبي جعفر عليه السلام ، فدخلنا عليه أنا وأبو ليلى، فقال : يا سكينة، هلُمّي بالمصباح! فأتت بالمصباح، ثمّ قال : هلُمّي بالسَّفَط الذي في موضع كذا وكذا . قال : فأتته بسَفَطٍ هندي أو سندي، ففضّ خاتمه ، ثمّ أخرج منه صحيفة صفراء . فقال علي : فأخذ يدرجها من أعلاها وينشرها من أسفلها، حتّى إذا بلغ ثلثها أو ربعها نظر إليّ، فارتعدت فرائصي حتّى خفت على نفسي ، فلمّا نظر إليّ في تلك الحال وضع يده على صدري فقال : أبَرَأت أنت؟ قلت : نعم جُعلت فداك ، قال : ليس عليك بأس . ثمّ قال : ادنُ ، فدنوت ، فقال لي : ما ترى؟ قلت : اسمي واسم أبي وأسماء أولادي أعرفهم ، فقال : يا عليّ، لولا أنّ لك ما عندي ما ليس لغيرك ما أطلعتك على هذا ، أما إنّهم سيزدادون على عدد ما هاهنا. قال علي بن أبي حمزة : فمكثت واللّه بعد ذلك عشرين سنة ثمّ ولد لي الأولاد بعدد ما رأيت في تلك الصحيفة» . ۴
وتتكرّر زيارة الإمام عليه السلام للكوفة ، ويتكرّر اللقاء بأبي حمزة في مسجدها ، فقد عرف شمائل الإمام وهديه ، ولنرى كيف يصف لنا أبو حمزة الإمام زين العابدين ولقاءه به.
قال أبو حمزة : «بينا أنا قاعد يوما في المسجد عند [الاسطوانة] السابعة ، إذا برجلٍ ممّا يلي أبواب كندة وقد دخل ، فنظرت إلى أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا وأنظفهم ثوبا ، معمّم بلا طيلسان ولا إزار ، عليه قميص ودُّرّاعة، وفي رجليه نعلان عربيان ، فخلع نعليه ، ثمّ قام عند السابعة ورفع مسبحته حتّى بلغتا شحمتي أُذنيه، ثمّ أرسلهما بالتكبير، فلم يبق في بدني شعرة إلّا قامت.
ثمّ صلّى أربع ركعات، أحسَنَ ركوعهنّ وسجودهن، وقال :
إلهي، إن كنت قد عصيتك فقد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك الإيمان بك، منّا منك به عليَّ، لا منّا به عليك، لم أتّخذ لك ولدا، ولم أدع لك شريكا، وقد عصيتك على غير وجه المكابرة، ولا الخروج عن عبوديتك، ولا الجحود لربوبيتك ، ولكن اتّبعت هواي وأزلّني الشيطان بعد الحجّة عليّ والبيان، فإن تعذّبني فبذنوبي غير ظالمٍ لي، وإن تعفُ عنّي فبجودك وكرمك يا كريم.
ثم خرّ ساجدا يقولها حتّى انقطع نفسه.
وقال في سجوده :
يا من يقدر على قضاء حوائج السائلين ، يا من يعلم ضمير الصامتين ، يا من لا يحتاج إلى تفسير ، يا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، يا من أنزل العذاب على قوم يونس وهو يريد أن يعذّبهم فدعوه وتضرّعوا إليه فكشف عنهم العذاب ومتّعهم إلى حين، قد ترى مكاني وتسمع كلامي وتعلم حاجتي، فاكفني ما أهمّني من أمر ديني ودنياي وآخرتي، يا سيّدي يا سيّدي... سبعين مرّة.
ثمّ رفع رأسه فتأمّلته، فإذا هو مولاي زين العابدين عليّ بن الحسين عليهماالسلام ، فانكببت على يديه أُقبّلهما، فنزع يده منّي وأومأ إليّ بالسكوت. فقلت : مولاي، أنا من عرفته في ولائكم، فما الذي أقدمك إلى ها هنا؟ فقال : هو لما رأيت» . ۵

1.باب الفيل : هي أحد أبواب مسجد الكوفة، كانت تُسمّى باب الثعبان. وقصّتها مشهورة.

2.الكافي: ج ۸ ص ۲۵۵ ح ۳۶۳.

3.المنتظم: ج ۶ ترجمة عليّ بن الحسين ص ۳۲۸.

4.المناقب لابن شهرآشوب: ج ۴ إمامة الباقر فصل في آياته ص ۱۹۳.

5.المزار الكبير : ص ۱۶۹ .

  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 354857
صفحه از 464
پرینت  ارسال به