۰.تَتَحَبَّبُ إلَينا بِالنِّعَمِ ونُعارِضُكَ بِالذُّنوبِ «162 »خَيرُكَ إلَينا نازِلٌ وشَرُّنا إلَيكَ صاعِدٌ «162 »ولَم يَزَل ولا يَزالُ مَلَكٌ كَريمٌ يَأتيكَ عَنّا بِعَمَلٍ قَبيحٍ ، فَلا يَمنَعُكَ ذلِكَ أن تَحوطَنا بِنِعَمِكَ ، وتَتَفَضَّلَ عَلَينا بِآلائِكَ «163 »فَسُبحانَكَ ما أحلَمَكَ وأعظَمَك وأكرَمَكَ مُبدِئا ومُعيدا «164 »
«تتحبّب» تحبّب إليه ؛ أي أظهر له المودّة والمحبّة ، فاللّه سبحانه يعطينا النعم كي نحبّه ؛ لأنّ النفس مجبولة بحبّ من أحسن إليها ، فتوالي نعمه تعالى ، تحبّب منه تعالى إلى عباده.
«ونعارضك» أي نقابلك ، من عارض أي أتى بمثل صنيعه وفعل مثل فعله ، وأتى إليه بمثل ما أتى ، يعني نحن نقابلك بدل إحسانك وإنعامك بالذنوب والعصيان.
«خيرك إلينا نازل وشرّنا إليك صاعد» خيره تعالى أنواع نعمه وفضائله وعطاياه المادّية والمعنوية ، وشرّنا أنواع سيّئاتنا ومعاصينا ، قال سبحانه : «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ » ، ۱ والشّر نقيض الخير ؛ وهو اسم جامع لكلّ الرذائل والخطايا ، والجمع شرور.
فسّر صعود الشرّ إليه بقوله : «ولم يزل ولا يزال ملك كريم» ، الكريم ؛ أي سخيّ معطاء ، جمع كرام ، وقيل الكريم من يوصل النفع بلا عوض ، فالكرم هو إفادة ما ينبغي لا لعوض ، والكريم : الصفوح ، قال الراغب : «إذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة الّتي تظهر منه ، ولا يقال كريم حتّى يظهر ذلك منه» ، ۲ وقد مرّ الكلام في معنى الكرم والكريم.
«يأتيك عنّا بعمل قبيح» وهو ما يستقبحه العقل وما يذمّ في الدنيا ويعاقب في الآخرة ، ويمكن أن يكون حسنات العبد وأعماله الصالحة بزعمه قبائح في الواقع ، كما يقال : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» ، وفي الدعاء : «إلهي من كانت محاسنه مساوئ ، فكيف لا تكون مساوئه مساوئ ، ومن كانت حقائقه دعاوي ، فكيف لا يكون دعاويه دعاوي» . ۳
«فلا يمنعك ذلك من أن تحوطنا بنعمك» فلا يمنعك الشرور الصاعدة والقبائح الصادرة في مقابل خيرك النازل من أن تحوطنا ، أي تعاهدنا وتحفظنا بنعمك ، أو تحدقنا بنعمك ، قال تعالى : «ذلِكَ بِأَنَّ اللّه َ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » ، ۴ وقال تعالى : «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ » . ۵
«وتتفضّل علينا بآلائك» جمع ، ومفرده الألى ، مقصور وتُفتح الهمزة وتكسر : النعمة ، كأفعال ، مثل سبب وأسباب ، لكن أُبدلت الهمزة الّتي هي فاء ألفا ؛ استثقالاً لاجتماع همزتين ، وفي مجمع البحرين : «إنّ الآلاء النعم الظاهرة ، والنعماء هي النعم الباطنة» ، ۶ و في الفروق اللغوية : «الآلاء النعمة الّتي تتلو غيرها ، من قولك : وليه يليه إذا قرب منه ، وقال بعضهم : هو اسم النعمة العظيمة» . ۷
«فسبحانك ما أحلمك وأعظمك وأكرمك» فسبحانك من كلّ نقص ، سبحان اللّه ، إي أُبرئ اللّه من السوء براءةً ، يقال : سبحان من كذا ، تعجّب منه ، ما أحلمك في التأنّي والصفح والعفو عن سيّئات أعمالنا . وأعظمك ؛ أي ما أعظمك في الستر علينا وقبائح أعمالنا ، وفي التفضّل بالنعم الجسام ، وأكرمك ؛ أي ما أكرمك في الإعطاء قبل السؤال ، وتعطي من لا يسألك ولا يعرفك ، «مبدئا ومعيدا» ، أي في ابتداء الإنعام وإعادته.