127
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
126

۰.وأنعِم عَلَينا مِن فَضلِكَ «171 »وَارزُقنا حَجَّ بَيتِكَ وزِيارَةَ قَبرِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ ورَحمَتُكَ ومَغفِرَتُكَ ورِضوانُكَ عَلَيهِ وعَلى أهلِ بَيتِهِ «172 » إنَّكَ قَريبٌ مُجيبٌ «173 »، وَارزُقنا عَمَلاً بِطاعَتِكَ «174 » وتَوَفَّنا عَلى مِلَّتِكَ وسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه و آله صَلَّى اللّه ُ عَلَيهِ وآلِهِ «175 »اللّهُمَّ اغفِر ۱ لي ولِوالِدَيَّ وَارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرا «176 »اِجزِهِما بِالإِحسانِ إحسانا وبِالسَّيِّئاتِ غُفرانا «177 »اللّهُمَّ اغفِر لِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ ، الأَحياءِ مِنهُم وَالأَمواتِ «178 »وتابِـع بَينَنا وبَينَهُم فِي الخَيراتِ «179 »

«أنعم علينا» من أنعم اللّه النعمة عليه ، وأنعمه بالنعمة ؛ أي أحسن وأوصلها إليه ، قال الراغب : «ولا يقال إلّا إذا كان الموصل إليه من الناطقين ، فلا يقال أنعم فلان على فرسه ، قال تعالى : «أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ »۲«وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّه ُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ » ». ۳
«من فضلك» الفضل الزيادة عن الاقتصاد ، محمود كفضل العلم والحلم ، ومذموم كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه ، والفضل في المحمود أكثر استعمالاً ، والفضول في المذموم... إلخ ، يعني من دون استحقاق.
«وارزقنا حجّ بيتك» الرزق يقال للعطاء الجاري تارةً ـ دنيويّا كان أم أُخرويّا ـ ، وللنصيب تارةً ، ولما يصل إلى الجوف ويتغذّى به تارةً ، يقال : أعطى السلطان رزق الجند ، ورُزقت علما.
سأل اللّه سبحانه رزقا معنويا وهو حجّ البيت الحرام ، وأصل الحجّ القصد للزيارة ، خصّ في تعارف الشرع بقصد بيت اللّه إقامة للنسك.
«وزيارة قبر نبيّك» الزور أعلى الصدر ، وزرت فلانا تلقيّته بزوري ، وزاره يزوره زيارةً ، أي قصده من باب آخر.
«صلواتك» الصلاة : قال كثير من أهل اللغة : هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال : صلّيت عليه ؛ أي دعوت عليه وزكّيته ، قال سبحانه وتعالى : «وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَسَكَنٌ لَهُمْ » ، ۴ وقال تعالى «إِنَّ اللّه َ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ » ، ۵ وصلوات الرسول وصلاة اللّه للمسلمين هو في التحقيق تزكيته إيّاهم وتطهيره لهم ، بحيث يصير الإنسان في الدنيا يستحقّ الأوصاف المحمودة ، وفي الآخرة الأجر والمثوبة ، وهو أنّه يتحرّى الإنسان ما فيه تطهيره ، وذلك يُنسب تارةً إلى العبد لكونه مكتسبا لذلك ، نحو «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها » ، ۶ وتارةً يُنسب إلى اللّه تعالى لكونه فاعلاً لذلك في الحقيقة ، نحو : «اللّه ُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ » ، ۷ أي صلواتك «ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليه وعلى أهل بيته».
وقد وردت روايات كثيرة من طرق الفريقين في الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله وكيفية الصلاة عليه ، والنهي عن الصلاة البتراء ، وفوائدها وآثارها.
«ورحمتك» الرحمة : رقّة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تُستعمل تارةً في الرقّة المجرّدة ، وتارةً في الإحسان المجرّد عن الرقّة ، نحو رحم اللّه فلانا ، وإذا وصف به الباري ، فليس يُراد به إلّا الإحسان المجرّد دون الرقّة ، وعلى هذا روي أنّ الرحمة من اللّه إنعام وإفضال ومن الآدميّين رقّة وتعطّف.
«ومغفرتك» الغفر : إلباس ما يصونه عن الدنس ، ومنه قيل : اغفر ثوبك في الوعاء واصبغ ثوبك ، فإنّه أغفر للوسخ ، والغفران والمغفرة من اللّه هو أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب.
«ورضوانك» الرضوان : الرضا الكثير ، ولمّا كان أعظم الرضا رضا اللّه تعالى ، خُصّ لفظ الرضوان في القرآن بما كان من اللّه تعالى.
«عليه وعلى أهل بيته» ولعلّ المراد من أهل البيت المعصومون عليهم السلام ، كما أوجب اللّه تعالى في الصلاة الصلاة عليهم .
«إنّك قريب مجيب» كما قال تعالى : «وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ » . ۸
«وارزقنا عملاً بطاعتك» أي وفّقنا للعمل بما هو طاعة لك.
«وتوفّنا على ملّتك» الوافي الذي بلغ التمام ، يقال : درهم واف وكيل واف ، قال تعالى : «وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ » ، ۹ وقد عبّر عن الموت والنوم بالتوفّي ، قال تعالى : «اللّه ُ يَتَوَفَّى الأَْنْفُسَ حِينَ مَوْتِها » ، ۱۰ و «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ » . ۱۱
«ملّتك» الملّة كالدين ، وهو اسم لما شرع اللّه تعالى لعباده على لسان الأنبياء ليتوصّلوا به إلى جوار اللّه ، والفرق بينها وبين الدين أنّ الملّة لاتضاف إلّا إلى النبي صلى الله عليه و آله الذي تستند إليه نحو : «اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ » ، ولا تكاد توجد مضافة إلى اللّه ولا إلى آحاد أُمه النبيّ صلى الله عليه و آله (هكذا في المفردات) . ۱۲
«وسنّة نبيّك» أي توفّني على ما شرعت وسنّة نبيّك صلى الله عليه و آله ، قال سبحانه : «ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » ، ۱۳ وقال : «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى » . ۱۴
«اللّهمّ اغفرلي ولوالديّ» أي الأب والأُمّ اللذين ولّداه .
«ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً» قال سبحانه وتعالى : «وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً »۱۵ . ۱۶
أي ارحمهما رحمةً باقيةً كما رحماني وربّاني قاصدان بقائي ، ولعلّ في ذكر ربّياني مكان رحماني إشارة إلى الأعمال الشاقّة الّتي تحمّل الوالدان ذلك في تربيتهما.
«اجزهما بالاحسان» أي أعمالهما الصالحة الحسنة، أو إحسانهما إليّ «إحسانا، وبالسيّئات» أي أعمالهما السيّئة أو إساءتهما إليّ غفرانا ، كما في الدعاء : «وما تعدّيا عليّ فيه من قولٍ ، أو أسرفا عليّ فيه من فعلٍ ، أو ضيّعاه لي من حقٍّ ، أو قصّرا بي عنه من واجبٍ ، فقد وهبته لهما ...» ۱۷ .
«اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات» دعا عليه السلام للمؤمنين دون المسلمين ، والفرق بينهما واضح ، قال سبحانه : «قالَتِ الأَْعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمّا يَدْخُلِ الإِْيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ » . ۱۸
«الأحياء منهم والأموات» دعا عليه السلام لحيّهم وميّتهم.
«وتابع بيننا وبينهم بالخيرات» تابع بين الأعمال وإليّ ، قال ابن الأثير : «وفي حديث الدعاء : تابع بيننا وبينهم على الخيرات ، أي اجعلنا نتبعهم على ما هم عليه» .

1.في الإقبال : «اللّهُمَّ صلّ على محمّد وآله واغفر ...» .

2.الفاتحة : ۷ .

3.الأحزاب : ۳۷ ، مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۹۹ .

4.التوبة : ۱۰۳ .

5.الأحزاب : ۵۶ .

6.الشمس : ۹ .

7.النساء : ۴۹ .

8.البقرة : ۱۸۶ .

9.الإسراء : ۳۵ .

10.الزمر : ۴۲ .

11.الأنعام : ۶۰.

12.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۷۱ .

13.الحشر : ۷.

14.النجم : ۳ و ۴ .

15.الإسراء : ۲۳ و ۲۴ .

16.ونِعم الدعاء لهما في الصحيفة : الدعاء ۲۴ .

17.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۲۴ .

18.الحجرات : ۱۴.

  • نام منبع :
    شرح دعاء أبي حمزة الثمالي
    سایر پدیدآورندگان :
    هوشمند، مهدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 464740
صفحه از 464
پرینت  ارسال به