۰.اللّهُمَّ إنّي ۱ كُلَّما قُلتُ : قَد تَهَيَّأتُ وتَعَبَّأتُ وقُمتُ لِلصَّلاةِ بَينَ يَدَيكَ وناجَيتُكَ «201 »ألقَيتَ عَلَيَ نُعاسا إذا أنَا صَلَّيتُ «202 »وسَلَبتَني مُناجاتَكَ إذا أنَا ناجَيتُ «203 » ما لي كُلَّما قُلتُ : قَد صَلَحَت سَريرَتي وقَرُبَ مِن مَجالِسِ التَّوابينَ مَجلِسي «204 »عَرَضَت لي بَلِيَّةٌ أزالَت قَدَمي وحالَت بَيني وبَينَ خِدمَتِكَ «205 »
«اللّهمّ» يستعمل أوّلاً للنداء ، وأصله يااللّه ، سقط حرف النداء وعوّض عنه ميم مشدّدة ، نحو : اللّهمّ ارحمني . وثانيا لتمكين الجواب في نفس السائل ، كقولك : اللّهمّ نعم ، لمن قال لك : أيوسف قائم ؟ ۲ وخُصّ بدعاء اللّه ، وقيل : تقديره يااللّه أمنّا بخير ، مركّب تركيب حيّهلا، ۳ فحيّ هلا أي ابدأ به وأعجل به، وهما كلمتان جُعلتا كلمة واحدة، وهلا: حثّ واستعجال.
«تهيّأت» أي استعدتُ ، من تهيّأ للأمر تهيّوءا ؛ استعدّ وأخذ له أهبّته وتفرّغ له .
«تعبّأت» أي تهيّأت ، من عبّأ المتاع هيّأه.
«للصلاة» قال الراغب : «والصلاة الّتي هي العبادة المخصوصة أصلها الدعاء ، وسُمّيت هذه العبادة بها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمّنه ، ۴ كما في الحديث : «الدعاء مخّ العبادة» ، ۵ والصلاة من العبادات الّتي لم تنفكّ شريعة منها ، وإن اختلفت صورها بحسب شرع فشرع ، ولذلك قال : «إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً » . ۶
وقال بعضهم : أصل الصلاة من الصلاء ، قال : ومعنى صلّى الرجل ، أي أنّه أزال عن نفسه بهذه العبادة الصلاة الذي هو نار اللّه الموقدة ، وبناء صلّى كبناء مرض لإزالة المرض . ۷
«ناجيتك» قال الراغب : «أصل النجاة الانفصال من الشيء ، ومنه نجا فلان من فلان ، وأنجيته ونجيّته ، قال : «وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا... » » ، ۸ وناجيته أي أسررته . وأصله أن تخلو به في نجوة من الأرض ، وقيل : أصله من النجاة ، وهو أن تعاونه بما فيه خلاصه.
«نعاسا» النعاس : النوم القليل.
«إذا أنا صلّيت» أي اشتغلت بالصلاة.
ومحصّل الجملة : إنّي استعددت وتفرّغت للصلاة ، وتركت ما سواها من الأشغال والأفكار ، وأخذت هيئةً وشكلاً وحالةً حسنة وسكونا وصلاحا ، وعبّأت أي رتّبت أُموري وجهّزت نفسي للعبادة ، وقمت للصلاة والدعاء والاستغفار والتضرّع والتوبة والإنابة ، وساررتك وذكرت لك ما في خفايا قلبي من المعونات الحسنة والسيّئة ، والأعمال الباطنية والظاهرية ، والحوائج الّتي أطلبها منك ، فإذا ألقيت عليّ نعاسا ، يعني نوما قليلاً ، وسلبتني أمل ما أعددت ورتّبت من هيئة العبادة والمناجاة.
«مالي» أي ما العلّة فيَّ ، وأيّ شيء في نفسي وعملي ونيّاتي حتّى منعتني عن العبادة والمناجاة وسلبتني التوفيق ؟
«كلّما قلت قد صلحت سريرتي» السريرة : السرّ الذي يُكتم ، جمع سرائر ، أي صلحت باطني وتهذّبت نفسي من الرذائل ودرن الخطايا والأرجاس حتّى وفقت وقرب من مجالس التوّابين مجلسي ، وهذه الجملة بيان لعظمة التوّابين ومجالسهم ، كما في النهج : «فلو مثّلتهم لعقلك في مقاومهم المحمودة ، ومجالسهم المشهودة ، وقد نشروا دواوين أعمالهم ، وفرغوا لمحاسبة أنفسهم عن كلّ صغيرة وكبيرة أُمروا بها فقصروا عنها ، أو نهوا عنها ففرّطوا فيها ، وحمّلوا ثقل أوزارهم ظهورهم ، فضعفوا عن الاستقلال بها ، فنشجوا نشيجا ، وتجاوبوا نحيبا ، يعجّون إلى ربّهم من مقاوم ندم واعتراف ، لرأيت أعلام هدى ، ومصابيح دُجى ، قد حفّت بهم الملائكة ، وتنزّلت عليهم السكينة ...» . ۹
وقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام : «إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلّتي ، وجلّلني التباعد منك لباس مسكنتني ، وأمات قلبي عظيم جنايتي ، فأحيه بتوبةٍ منك ياأملي وبغيتي» . ۱۰
«عرضت لي بلية أزالت قدمي» البليّة : البلوى ، أي الامتحان والاختبار والمصيبة ، جمع بلايا ، أي عرضت لي مصيبة أو أمر عرض امتحانا واختبارا من اللّه تعالى ، وصار سببا للزلّة وحالت بينه وبين الربّ تبارك وتعالى.
ولعلّ المراد من البليّة العمل الذي سلبه حال العبادة وقطع عنه توفيق المناجاة ؛ لأنّ كلّ صفة من الإنسان علّة لشيء ، كما أنّ أعماله تؤثّر في أوصافه ، فالصفات الرذيلة أو الحسنة تصير سببا لأعمال حسنة أو قبيحة ، كما أنّ عملاً حسنا أو سيّئا يؤثّر في نفس الإنسان صفة أو حالة حسنة أو سيّئة.
فشرع صلوات اللّه عليه في ذكر الأعمال الّتي يمكن أن تكون سببا لذلك.
1.في الإقبال : «إلهي ما لي» بدل «اللّهُمَّ إنّي» .
2.أقرب الموارد : ج ۱ ص ۱۷ .
3.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۲ .
4.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۸۵ .
5.عدّة الداعي : ص ۲۴ ، بحار الأنوار : ج ۹۰ ص ۳۰۰ .
6.النساء : ۱۰۳.
7.اُنظر : فقه القرآن للراوندي : ج ۱ ص ۸۰ ، مفردات ألفاظ القرآن : ص ۲۸ .
8.النمل: ۵۳ ، مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۸۳ .
9.نهج البلاغة : الخطبة ۲۲۲.
10.الصحيفة السجّادية : الدعاء ۱۸۲ ، اُنظر : بحار الأنوار : ج ۹۱ ص ۱۴۲.